الوطنية بريس حميد عسلاوي

قال تعالى ” وجعلنا من الماء كل شيء حي ”
والصلاة والسلام القائل: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ”
وبعد، فيشير مصطلح الحفاظ على البيئة إلى الإجراءات التي يتم اتخاذها لحماية كوكبنا والحفاظ على موارده الطبيعية من التلوث، ومفهوم الحفاظ على البيئة يقوم على عكس آثار التزايد السكاني والتطور الصناعي المدمرة للبيئة، والعمل على الحد من تدهور النظام البيئي لتجنب الآثار الكارثية التي قد تصل إلى فناء الأنواع وانقطاع الصادر الحيوية. أو بعبارة أخرى تعني الممارسات التي نقوم بها كبشر بهدف إنقاذ البيئة من تدمير النظام البيئي بسبب التلوث والأنشطة البشرية، ويكون ذلك إما على المستوى الفردي من خلال الإجراءات التي يتخذها كل فرد لوحده بهدف حماية البيئة أو على المستوى الحكومي أو الدولي.
كما يدل مصطلح الحفاظ على البيئة على العناية بالموارد وحمايتها بحيث تستمر للأجيال القادمة، فالحفاظ على البيئة هو أمر حيوي لإنقاذ الحيوانات والأشجار لأننا جميعنا نعتمد عليها للبقاء على قيد الحياة، بحيث نضمن بقائنا. ومن تعريفات المحافظة على البيئة عند المتخصصين في علم الطبيعة أنها تعتبر ممارسة تهدف للحفاظ على العالم الطبيعي لمنعه من الانهيار نتيجة الأنشطة البشرية الضارة مثل إزالة الغابات الزراعية غير المستدامة وحرق الوقود الأحفوري، فتدمير أو فقدان أحد الأنظمة البيئية من شأنه أن يعطل الشبكة الغذائية بأكملها وبالتالي يكون التأثير سلبا على الإنسان وغيره من الكائنات الحية.
ولذا فالدولة بكافة مؤسساتها مسؤولة عن الحفاظ على البيئة وحمايتها من خلال اتباع إجراءات صارمة للحد من التلوث البيئي، وسن القوانين التي تمنع تدهور النظام البيئي، ومعاقبة المخالفين بعقوبات رادعة تضمن خضوع الأفراد والمؤسسات التجارية والصناعية لهذه القوانين.
كما أن النشطاء في مجال حماية البيئة هم بمثابة عامل ضغط على الحكومات والدول لإجبارها على اتخاذ إجراءات تساهم في المحافظة على البيئة وحمايتها، كما لهم دور في نشر الوعي بأهمية حماية البيئة ومحاربة التلوث البيئي. ولا ننسى دور المنظمات التي تتبنى القضايا المتعلقة بالبيئة خاصة التغير المناخي والاحتباس الحراري لها دور في المحافظة على البيئة، من خلال القيام بدعم الدول لحماية البيئة وعقد الاتفاقيات والمعاهدات اللازمة لذلك، ووضع الاستراتيجيات لمنع هدر الموارد الطبيعية، من الأمثلة على المنظمات الدولية البيئية أصدقاء الأرض ومنظمة السلام الأخضر.
أيضا للشركات والمؤسسات دور مهم في الحفاظ على البيئة من خلال وضع سياسات واقعية تساعد في حمايتها من خلال بناء مصانعها ومعاملها التابعة لها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية ووضع برامج لإدارة تصريف مخلفاتها ونفاياتها والاعتماد على مصادر طاقة صديقة للبيئة. لكن دور الأفراد من خلال أنشطته اليومية يمكن أن يؤثر على البيئة حتى ولو كان هذا التأثير بسيطاً، فإذا اتخذ كل فرد مثل هذه المبادرات فيمكن إحداث أثر كبير وإيجابي فيها، مثل إعادة التدوير من المصدر، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في البيوت، والتخلص من النفايات الإلكترونية والكيميائية المنزلية بطريقة آمنة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي فوائد المحافظة على البيئة ؟
أولا: الحفاظ على البيئة ينعكس على صحة الإنسان بشكل كبير، فالحفاظ على نظافة الهواء يقلل من حالات إصابة الفرد بالمشاكل التنفسية، والحفاظ على نظافة الماء يقلل من بعض الأمراض خاصة الكوليرا والتهابات الكبد، وحماية التربة يقي من الإصابة ببعض أنواع السرطانات الناتجة عن تناول الأطعمة المزروعة بالسماد الكيميائي أو في تربة ملوثة.
ثانيا: الحد من تغيرات المناخ: تعتبر التغيرات الجذرية في المناخ نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري الناتج عن تراكم الانبعاثات والغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والحفاظ على البيئة سيساهم يشكل كبير بالحد من التغيرات المناخية التي تؤثر على النظام البيئي وتسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض وما يترتب عليه من ارتفاع منسوب البحار والمحيطات وتغير حرارة المياه وحرائق الغابات والوفيات المباشرة من الاحترار.
ثالثا: الحفاظ على الموارد: إن المحافظة على البيئة تساعد في الحفاظ على الموارد الطبيعية للكوكب بحيث تكفي السكان لسنوات طويلة وخاصة الموارد المائية والنفطية، ويعطي فرصة للنظام البيئة للتأقلم مع التغيرات.
رابعا: الحفاظ على التنوع البيولوجي: يقصد بالتنوع البيولوجي الحفاظ على الغطاء النباتي والتنوع الحيواني الموجود من أجل الحفاظ على التوازن البيئي المحيط بالإنسان مما ينعكس على حياته بشكل إيجابي.
خامسا: تحسين جودة الحياة: تساعد حماية البيئة والمحافظة عليها في تحسين جودة حياة الإنسان من حيث شعوره بالاسترخاء والراحة والتقليل من التوتر والأمراض والعيش في بيئة وطبيعة نظيفة وتناول الأطعمة بأصناف متنوعة وبمذاق طبيعي وخالية من المواد الكيميائية واستنشاق هواء نظيف ومنعش.
سادسا: حماية الحيوانات المهددة بالانقراض: إن الحفاظ على البيئة يساعد في حماية مواطن بعض الحيوانات أو النباتات النادرة والمهددة بالانقراض بالتالي حماية التنوع البيولوجي الطبيعي والتوازن البيئي.
سابعا: جذب السياح: المحافظة على البيئة يساعد على زيادة المردود المادي للدولة من خلال تعزيز قطاع السياحة حيث ينجذب السياح للمناطق التي تحتوي طبيعة ساحرة ونظيفة.
ثامنا: التقليل من الكوارث الطبيعية: غالباً ما يكون للإنسان يد في حدوث الكوارث الطبيعية من خلال تخريبه في النظام البيئي فمثلاً قطع الأشجار الجائر والموجودة على السفوح الجبلية ستؤدي إلى حدوث انهيار لهذه السفوح ويمكن أن تدمر مناطق سكنية كاملة لذلك فالحفاظ على البيئة يقلل من هذه الكوارث. فإذا عملنا بهذه التوصيات المهمة استطعنا تجنب التغير المناخي الذي يتسبب في التلوث البيئي وعدم السعي للحد منه إلى حدوث تغيرات مناخية والتي نشهدها في الوقت الحالي، وسيزداد الأمر سوءً في حال عدم بذل الجهود الجدية لعلاج المشكلة، حيث ستزداد درجات الحرارة بشكل كبير على مدار السنة بالتالي ستتلف المزروعات التي تحتاج لمناخ بارد حتى تنمو، بالإضافة إلى ذوبان الثلوج في القطب الشمالي والذي يزيد من خطر غرق دول أو قارات بأكملها نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات ويحدد حياة الأنواع والكائنات البحرية. وتجنب المجاعات واستنزاف الموارد الطبيعة وتسمم التربة وتصحرها وعدم صلاحيتها للزراعة ستسبب مع الوقت في حدوث مجاعات في العالم ستكون الدول الفقيرة أكبر المتضررين منها. واتساع ثقب الأوزون الذي يتسبب في التلوث البيئي و حدوث مشاكل جسيمة للغلاف الجوي فهي تزيد من اتساع ثقب الأوزون بالتالي مرور كمية أكبر من الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض والتي تؤثر على الإنسان فتزيد من خطر إصابته بالسرطانات، بالإضافة إلى إحداث ضرر بالنباتات الأمر الذي يهدد بدوره الأمن الغذائي في العالم. وفقدان التربة لخصوبتها لأن اهمال حماية البيئة واستخدام المواد الكيميائية فيها بشكل كبير وغير مدروس يؤثر على خصوبة التربة ويؤثر في مكوناتها مما يجعلها مع الوقت غير صالحة للزرعة وبالتالي حدوث التصحر. وفقدان المياه الصالحة للشرب الذي يتسبب في تسمم المياه وتلوثها وزيادة حموضتها أو ما يسمى بتحمض المحيطات الناتج عن ذوبان ثنائي أكسيد الكربون فيها مكوناً حمض الكربونيك سيتبب في عدم وجود مياه صالحة للشرب.
وإصابة الإنسان بأمراض خطيرة وذلك بتناول الأطعمة الملوثة والماء الملوث والتعرض للإشعاعات والانبعاثات الكيميائية فيتسبب في العديد من الأمراض الخطيرة مثل السرطانات والكوليرا وأمراض الكبد. وبالتالي فدور الفرد في الحفاظ على البيئة لا يقل عن دور الدولة، فالواجب عليه استبدال السماد الكيميائي بالطبيعي لأن استخدام الأسمدة الكيميائية يؤذي التربة ويقلل من المواد العضوية فيها مما يجعلها مع الوقت غير صالحة للزراعة ويفضّل استبدالها بالأسمدة الطبيعية.أيضا التقليل من استخدام البلاستيك: يشكل البلاستيك أزمة حقيقية للبيئة فهذه المادة تحتاج لآلاف السنين حتى تتحلل وعندما يبدأ البلاستيك بالتحلل فإنه يتحول إلى قطع صغير ودقيقة يمكن أن تسمم الكائنات الحية خاصة البحرية منها، لذلك ينصح بالتقليل من شراء العبوات البلاستيكية واستبدالها بالزجاجية أو العمل على إعادة تدوير البلاستيك الموجود. وتجنب قطف الأزهار والنباتات وتوعية الأطفال لأهمية هذه النقطة وخاصة في الحدائق العامة والطرقات. والاهتمام بنظافة البيئة الذي يبدأ من خلال تجنب رمي الأوساخ والقمامة في الشوارع والحدائق بالإضافة إلى التوعية المبكرة للأطفال من قبل الأهل والمدراس حول أهمية الحفاظ على نظافة البيئة. وترشيد استهلاك المياه حيث يمكن للفرد الحفاظ على البيئة من خلال ترشيد استهلاكه من خلال اتباع بعض الخطوات البسيطة التي من شأنها توفير المياه مثل القيام بالفحص الدوري لصنابير المياه في المنزل للتأكد من عدم تسريبها والتقليل من هدر المياه وعدم ري المزروعات بمياه الشرب. والتقليل من حجم النفايات من خلال تقليل استخدام الأشياء التي تستعمل لمرة واحدة، وشراء الأشياء التي يمكن تكرار استعمالها، مثال على ذلك استبدال عبوات المياه البلاستيكية بالزجاجية واستعمال أكياس قماش بدلاً من النايلون. واستخدام أنظمة الطاقة المتجددة مثل الرياح والماء والشمس لتوليد الكهرباء في التقليل من استخدام الوقود والمصادر الأحفورية غير المتجددة بالتالي التقليل من الانبعاثات التي تعد أحد أسباب الاحتباس الحراري، وتوفير الطاقة غير المتجددة لحالات الضرورة.
أما دور الدولة في الحفاظ على البيئة فيكون باستصلاح الأراضي القاحلة والمناطق القاحلة من خلال تشجيرها وجعلها صالحة للزراعة منعاً من انتشار الصحراء وانجراف التربة. ومنع قطع الأشجار والغابات وإتلافها فهي مصدر رئيسي للهواء النقي وتساعد في التقليل من الغازات المسببة للاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى ازدياد حرارة الأرض بشكل أسرع كما أنها تحافظ على خصوبة التربة، وإصدار قوانين تحد من هذه العملية والتي غالباً ما تكون لتحقيق مكاسب فردية تجارية. ونشر الوعي حول أهمية الحفاظ على البيئة وبيان مدى تأثيره على صحة الإنسان والكوكب وكيفية المحافظة على البيئة وأهمية حمايتها من خلال المحاضرات التوعوية والندوات في الجامعات والمدارس. ومراقبة المصانع والمعامل وفرض الرقابة عليها ومدى التزامها بالمعايير والشروط التي تفرضها الدولة من أجل حماية البيئة من التلوث، خاصة فيما يخص التخلص من نفاياتها ومخلفاتها العادية منها والكيميائية يعتبر أحد الواجبات المهمة الملقاة عليها للمحافظة على البيئة. وتوفير محميات للحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض وذلك بأن توفر لهم موطن آمن بعيداً عن الصيد العشوائي للحيوانات وتوفير البيئة والطقس المناسب لنمو هذه النباتات حفاظاً على التوازن البيئي. وتوفير السماد الطبيعي للمزارعين والتشجيع على استعماله بدلاً من الأسمدة الكيميائية التي تلوث البيئة. وتجنب رمي المخلفات في المياه من خلال رميها في البحار مما يشكل تهديداً للموارد والثروة المائية لذلك على الدول انتهاج استراتيجيات آمنة على البيئة للتخلص من النفايات من خلال إعادة تدويرها ومعالجتها والاستفادة منها. والإدارة السليمة للنفايات السامة والخطرة التي تنتج عن المصانع والمعامل من خلال دفنها أو معالجتها أو حرقها وفقاً لإجراءات ومعايير تقلل نسبة التلوث في الهواء والتربة والماء. ثم أخيرا وليس آخرا إصدار قوانين خاصة بالبيئة كتلك التي تنظم الصيد والزراعة وكيفية التخلص من نفايات المصانع كذلك إصدار القوانين الرادعة التي تمنع الرعي الجائر والصيد الجائر.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email