الأستاذ حميد عسلاوي

إن الاستثمار المنتج يحقق النمو ويخلق مناصب شغل ويضع الاقتصاد الوطني في مصاف الدول الصاعدة.

لكن هذا لا يتم إلا في ظروف ملائمة لنمو قوي ودائم وذلك بتأهيل المقاولة ورفع كل المعوقات أمامها سياسية كانت أو اجتماعية أو إدارية أو اقتصادية. ومن أهم مشاريع الاستثمار التي يجب استغلالها والعمل على تحقيقها:

1 . خلق مناصب شغل للحد من البطالة المتفشية التي بسببها تتفشى ظاهرة الإجرام وانعدام الأمن والسلم الاجتماعي.

2 . تحسين المعيشة بالتوزيع العادل والممنهج للثروات وعدم تمركزها في طبقة محددة.

3 . توفير التعليم والعلاج باعتبارهما الأداة الفعالة في تحقيق الكفاية للعنصر الإنساني الذي يعتبر الركيزة الأساسية في المجتمع. من هنا يمثل الاستثمار أولوية أساسية من أولويات خطة عمل مجلس جهة فاس مكناس وذلك لمواجهة تحديات تشغيل الشباب وتنشيط النشاط الاقتصادي.كما يساعد في قياس وزن جهة فاس مكناس من خلال أدوات التحليل والتقييم الاقتصادي المتاحة من جهة، ويساهم في إعادة التفكير في المكانة والأدوار التي ينبغي أن يلعبها مختلف الفاعلين في الاقتصاد الجهوي للتخفيف من اختلالات التوازن في ما يخص الشغل وإنتاج الدخل والثروة داخل الجهة من جهة أخرى، وذلك من خلال إعطاء فكرة عن الوضع العام للجهة الجديدة وانطلاقا من مساهمتهم الحالية.

ففي سنة 2019 على مستوى جهة فاس مكناس تم إحداث منطقة التسريع الصناعي التي تعد رافعة حقيقية للنهوض بتنافسية مختلف حلقات انتاج القيمة المضافة بالجهة، مما يجعل هذه المنطقة تحقق ما تصبو إليه الرؤية الملكية لتأمين تنمية ترابية متوازنة وموصولة في خدمة المواطن، و تدفع في اتجاه بروز قطب جديد في المملكة يكون حاضنا للتنمية الصناعية لجهة فاس مكناس.

و بالفعل تم إنجاز جملة من المشاريع المهيكلة المتعلقة بمخطط التسريع الصناعي، وتهم أساسا خلق قطب صناعي وإحداث منطقة صناعية للجلد وكذا منطقة للوجستيك.

وتشكل المنطقة التي تستفيد من المزايا المخولة للجيل الجديد من المناطق الصناعية قاطرة للتنمية الجهوية بصفة عامة وفي إقليم صفرو على وجه الخصوص.

ويعول على المشروع الذي يوفر امتيازات تنافسية للمستثمرين من أجل ضخ دينامية جديدة على المستوى السوسيو اقتصادي وتثمين الجاذبية الاقتصادية لجهة فاس مكناس.

لكن يتحقق مشروع تنمية قطب بالكفاءة على مستوى جهة فاس مكناس وينبثق من إرادة جماعية لتفعيل الجهوية المتقدمة وارساء حكامة حضرية لا ممركزة.

وكما أن هذه الاستراتيجية مكنت من تنزيل نموذج للتنمية الترابية بالاستجابة لانتظارات وحاجيات الجهة، طبقا للتعليمات الملكية السامية. لذا فبالاستثمار تسهل تعبئة الوعاء العقاري الضروري لمنطقة التسريع الصناعي والحصول على مختلف التصاريح الإدارية لتثمين المشروع و جعل الجهة قطبا اقتصاديا قادرا على خلق فرص الشغل وتثمين الثروات ودعم القطاعات الانتاجية من أجل ضمان نمو شامل في خدمة المواطن. وهذه الرؤية الاستشرافية هي التي جعلت الفاعلين الجهويين يتطلعون لأن يكون مشروع قطب الكفاءة لفاس مكناس، الذي تلتئم حوله وزارات الصناعة، الداخلية، الاقتصاد والمالية، إعداد التراب، بالإضافة الى الولاية ومجلس الجهة وشركة ميدز، بؤرة لإطلاق حركة الاستثمار وتشجيع انبثاق المقاولات والتنمية السوسيو اقتصادية للجهة.

كما رام هذا المشروع إلى إحداث منطقة التسريع الصناعي، التي تندرج في إطار تفعيل الجهوية المتقدمة، وتقليص الفوارق الترابية والتفاوتات الاجتماعية عبر تفعيل مشاريع صناعية حاملة لرؤية استراتيجية استشرافية وشاملة.

لكن مع كل هذه الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع لم يخل المشروع من إكراهات ومعوقات لها اتصال مباشر بالإدارة المغربية. فالمقاول منذ إنشائه المقاولة للشروع في تحقيق مشروعه الاستثماري مر عبر مجموعة من المراحل الإدارية المعقدة للحصول على مجموعة من الرخص في أغلبها معقدة أيضا والتي يتطلب الحصول عليها مدة طويلة. ففي دراسة أجنبية تحت عنوان “مطاف المستثمر” أنجزت لصالح الحكومة المغربية لابد للمستثمر أن يمر ب 18 مصلحة ويقوم ب 43 عملية. كما أن المستثمر لابد أن يقضي على الأقل 3 سنوات تقريبا حتى يشرع في جني الأرباح (وهذه الثلاث سنوات هي أدنى مدة لازمة لتطوير نسيج مهم من العلاقات مع الإدارة والبنوك).

بالإضافة إلى معوقات أخرى عقارية التي تقف دون إنعاش الاستثمار في الجهة، وأخرى تتعلق بمشاكل توطين المشاريع الاستثمارية (فالأراضي الصناعية والمحلات التجارية نادرة و باهضة الثمن. وخاصة في المدارات الحضرية)،ثم معوقات ضريبية، وأخرى ليس هذا مقام تناولها.

بعد هذا الجرد الموجز أذكر بعض الحلول المقترحة من أجل الرفع من وتيرة الاستثمار:

أولا: تجديد الثقة في العمل السياسي وذلك بتطهير وتخليق الحياة العامة وتنقيتها من كافة أشكال الفساد المالي والإداري والأخلاقي والسياسي، أي تفعيل ميثاق حسن التدبير.

ثانيا: تحقيق سلم اجتماعي حقيقي وذلك بالتفكير في حلول لملفات اجتماعية مازالت عالقة وخاصة ملف المعطلين الشباب وملف التربية والتكوين.

ثالثا: تسهيل المساطير القانونية بالنسبة للمستثمرين وخاصة الأجانب حتى نحقق التنمية البشرية المستدامة.

رابعا: تحسين الإطار المؤسساتي، وذلك بإحداث و تفعيل وكالة جهوية لإنعاش الاستثمار هذه الوكالة التي من مهامها الأساسية الاستقبال، الإرشاد، التوجيه، المساعدة وتتبع المشاريع واقتراح الإصلاحات من أجل تبسيط الإجراءات الإدارية. وفي الميدان العقاري يمكن خلق وكالة تهتم بحل مشاكل العقار في المستقبل والتي يمكن أن تكون تابعة للوكالة الوطنية لإنعاش الاستثمار.

خامسا: تحسين ظروف العمل بالنسبة للمقاولات وذلك بإخراج مجموعة من القوانين التنظيمية المتعلقة بمدونة الاستثمار إلى حيز الوجود، وخاصة بالنسبة لبعض البنود التي تتعلق بتبسيط الجباية المحلية، و الإجراءات الإدارية، وتحمل الدولة لبعض النفقات التي تتعلق بالبنيات التحتية الخارجية في إطار العقود الخاصة مع المقاولات التي يتعدى برنامج استثمارها الملايين من الدراهم،

ثم البنود التي تهم تحديد معايير انتقاء المناطق التي يمكن أن تستفيد من دعم الدولة.

وعلى العموم فإن الاستثمار الاقتصادي والاجتماعي بجهة فاس مكناس عرف انتعاشا ظاهرا في السنوات الأخيرة للحنكة التي أبان عنها المسؤولون وتتبعهم الجاد لهذه المشاريع التنموية.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email