بقلم: حميد أقروط

الجزائر – تجد الجزائر، على غرار غالبية بلدان العالم، نفسها في حيرة من أمرها، في زمن جائحة (كوفيد-19) الزاحفة، في مواجهة عدو مشترك غير مرئي، جاء ليؤجج أزمة متعددة الأبعاد تغرق فيها البلاد منذ أمد بعيد.

وتكشف الأرقام التي يتم الإعلان عنها يوميا، خلال اللقاء الصحفي حول حالات الإصابة الجديدة المؤكدة والوفيات، أن تفشي فيروس كورونا المستجد يُظهر أنه لا يتم القيام بكل ما يلزم لاجتثاث الوباء، في حين أن النظام، الوفي لتقليده السياسي، يحاول عبثا الإقناع بأن “الوضع تحت السيطرة”.

وبالفعل، فإن البعض يرى أن إجراءات الحجر الجزئي الذي تقرر تفعيله في العديد من ولايات البلاد أضحت متجاوزة، بسبب غياب استراتيجية حقيقة للتواصل والوقاية. وهكذا، فبالإضافة إلى الحجر الصحي، يجد الجزائريون أنفسهم خاضعين لحجر إعلامي.

وبرأي الصحافيين ومهنيي وسائل الإعلام، فإن القيود المفروضة عليهم ومسطرة تسليم رخصة التنقل للقيام بمهمتهم التي تتمثل في إخبار الرأي العام، تخضعهم بما لا يدع محالا للشك ل”حجر حقيقي”.

والأدهى من ذلك، فإن وسائل الإعلام تجد نفسها مجبرة على تقديم قائمة محدودة لصحفييها لرئيس دائرة المقاطعة التي يوجد فيها مقر عملهم، في ذات المكان الذي تودع فيه طلبات الباعة المتجولين والتجار.

وفي ظل هذه الظروف السريالية، يبدو من المشروع التساؤل هل ما زال من الممكن الحديث عن المبدأ المقدس المتمثل في الحق في الإخبار، في الوقت الذي يجد فيه الصحافي نفسه مقيدا بالحجر ومضطرا لأن يكون بوقا للحكومة؟

الجواب واضح جدا: لا، لأن الرقابة هي ردة فعل نظام يغطي على جوانب القصور في تدبيره ويعمل جاهدا على تلميعها.

فمنذ ظهور هذا الوباء، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الجزائريون من مسؤوليهم مقاربة براغماتية إزاء هذه الظرفية الحساسة، فإنه يمكن لأي كان أن يكتشف أن هناك غيابا لرؤية استشرافية من أجل الدفاع عن الصحة العمومية، وتواصل حقيقي حول هذه الجائحة. وذلك ما تؤكده أعداد الحالات (1468 حالة مؤكدة إلى غاية 7 أبريل) وأعداد الوفيات (193) والتي تسير في خط تصاعدي في حين أن الانطباع العام السائد لدى الجزائريين هو أن الحكومة، بالرغم من الإجراءات المتخذة لحد الآن، ما تزال غير قادرة على التصدي لانتشار هذه الآفة.

ويعتقد البعض أن هذا الحجر الإعلامي يعكس تدبيرا عشوائيا لقطاع جوهري مثل قطاع الصحة. وهكذا، وفي مواجهة الخطاب الرسمي الذي يطمئن بأن كل الشروط متوفرة لمحاربة كوفيد-19 بفعالية، تتعالى أصوات للتعبير عن ذهولها إزاء الوسائل الضئيلة التي يتوفر عليها الجهاز الطبي لمواجهة هذا التهديد الصحي الجديد والكبير.

ولعل ذلك هو حال الدكتور يوسفي، رئيس قسم بمستشفى بوفاريك بالجزائر العاصمة، الذي أكد أنه يتم الحديث حاليا على مستوى أقسام الأمراض المعدية، سواء بمستشفيات القطار أو ببوفاريك، عن غياب أسرة لاستقبال الأشخاص المصابين بالعدوى.

وعبر عن أسفه قائلا إن “ما يقلقنا هي الحالات الخطيرة، خاصة وسط الشباب. فهذه الحالات تتطلب بطبيعة الحال الإنعاش، ولكن يجب أولا إيجاد مكان. فالمستشفيات الجامعية لباب الواد ومصطفى وبني مسوس لا تتوفر على العدد الكافي من الأسرة”.

وتنضاف إلى ذلك المخاوف التي يعبر عنها الممرضون إزاء النقص في وسائل الحماية (نظارات، الصدريات، زي التمريض) وغيرها من التجهيزات، علما بأن الجزائر تسلمت مؤخرا شحنة من الصين تتكون من 5ر8 ملايين كمامة طبية من نوع ثلاث طبقات و100 ألف كمامة من نوع “إف إف بي 2 ” ، وهي الكمية التي يرى يوسفي أنها غير كافية بالنظر إلى عدد الطواقم الطبية وشبه الطبية (حوالي 400 ألف على الصعيد الوطني) والتي تحتاج بالخصوص إلى وسائل الحماية من أجل معالجة المرضى المصابين بفيروس كورونا.

والأمر نفسه جاء على لسان رئيس الجمعية الجزائرية للأطباء الأحرار الدكتور يونس موالك، الذي كشف أن هناك حاجة متزايدة لهذه الوسائل بالنسبة للأطباء، والعيادات الطبية، والمصحات الخاصة، ومختبرات التحليلات، وكذا أصحاب الصيدليات. وبالفعل، فقد قررت غالبية العيادات إغلاق أبوابها والاكتفاء بتجديد الوصفات الطبية لمرضاها عبر الهاتف بسبب النقص في وسائل الحماية.

وغني عن القول إن الشفافية والنقاش الصريح وحدهما يؤتيان ثمارهما، ومن أجل الخروج من هذا المأزق لا يمكن للجزائر أن تخصص التعاطي نفسه لمعالجة الأزمة الصحية مثل ذلك الذي تخصصه للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي غرقت فيها البلاد خلال العقود الأخيرة.

 

 

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email