الوطنية بريس حميد عسلاوي

 

بمجرد ما يرن في الأذن طنين “الفتنة” تنطلق من المخ صفارة الإنذار لجميع الأجهزة في الإنسان، فتستعد الحواس تلقائيا للدفاع عن النفس بكل الوسائل وجميع الإمكانيات، باعتبار الفتنة عنوان الشؤم ونذير الفوضى، إن لم تكن رسول الدمار والخراب ” والفتنة أشد من القتل ” كما وصفها كتاب الله العزيز

والمؤمن في حياته الخاصة والعامة عرضة لها، كما أن الشعوب والحكومات تتحمل النصيب الأكبر من ويلاتها ومضاعفاتها، سواء أخمدتها في مهدها، أم خاضت معركة ضارية للقضاء عليها، ولعل أكثرية المشاكل والمصائب التي تعاني منها البشرية الأمرين مصدرها عند التحليل العميق فتنة أصحاب المطامع والأهواء الذين لا يتطلعون دائما إلا لتحقيق أحلامهم على حساب الآخرين.

وصراع الإنسان ضد الفتنة في جميع مظاهرها يتخذ أشكالا وألوانا، تقل وتكثر، وتضعف وتقوى، تبعا لرصيد الخير في الفرد، وانطلاقا من وعي الأمة، وانبعاثا من الحذر وسرعة التدخل من لدن المسئولين.

وعندي أن الفتنة ليست إلا امتحانا من الله تعالى للمؤمنين ليختبروا بأنفسهم مدى عمق إيمانهم، ” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين “.

ومن جانب آخر تكون كشفا للغطاء عن المنافقين وتقديمهم للناس على حقيقتهم البشعة وسلوكهم الخبيث طبقا للوصف الإلاهي في قوله تعالى : ” ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزي، ولهم في الآخرة عذاب عظيم “.

و عندما تتعرض الشعوب لوباء الفتنة فهناك تكمن الطامة الكبرى إذا لم تكن تلك الشعوب واعية كل الوعي ومدركة الإدراك التام لما يراد بها ويحاك في الخفاء ضدها، وإماطة اللثام عن الفئة الضالة التي تسعى في الأرض فسادا، حتى يكون المسلمون على حذر من دعاة الفتنة تمشيا مع تحذير الله لأوليائه ” يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجاهلة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين “.

وهنا نهيب بشباب الإسلام أن يكون في طليعة مسيرة دينه الطاهر، فقد كان زملاؤهم في الواجهة الأمامية للدعوة الإسلامية النبوية، وفي الطليعة التي آمنت بالرسول عليه السلام وهو يعارك الشرك والمشركين، ويناضل في سبيل التوحيد وإعلاء كلمة الدين، فمواقف شباب الإسلام في صدر الدعوة المحمدية مواقف لامعة نتطلع أن يكون شبابنا مرآة صافية لها، خصوصا في وقتنا الحاضر الذي فسح المجال أمامهم للاحتكاك بزملائهم عن طريق الرحلات والمؤتمرات والتجمعات في أطراف الدنيا، مما يساعدهم على أن يكونوا رسل الهداية وسفراء الإسلام.

أما على الصعيد الرسمي في العالم الإسلامي، فلا بد من أن نناقش بعض الحالات في مجالنا هذا، ومن الواضح جدا أن الفتنة من تسربت إلى الأمة واندست في صفوف الشعب، فإن الحكومة –أية حكومة- ستكوى بنارها، وستحتاج إلى كثير من الجهد والعديد من الإجراءات للقضاء عليها، وسواء أكانت فتنة عقائدية أم غيرها من الفتن التي يتخيلها العقل.

ومن هذا المنطق يأتي دورها في الحفاظ على سلامة مواطنيها من البلبلة الدخيلة على مجتمعها، وحماية الشعب من دعاة الفتنة التي لم تكن ولن تكون إلا نفطا مشتعلا يأتي على الأخضر واليابس.

ولذا فالفتنة على ما أفهمها تبدأ شرارة يطيّرها ذوو مصلحة في المجتمع حتى تغدو نارا مستعرة لا تبقي ولا تذر. فهي بوابة واسعة تفضي ترهاتها إلى التدمير الشامل وتقضي على كل أسباب التنمية وتنشر معوقاتها. حدثت في المجتمعات العربية، قديمها وحديثها، فتن كثيرة ليس المجال هنا لحصرها وذكرها. وقد جاء في الأثر: (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها). وإذا سلمنا بأن الفتنة نائمة في ديارنا العربية، فهل أن نومها شيء يبعث على الفخر، أم أن نومها هو قصور في المعالجة؟ أليس القضاء على الفتنة ووأدها هو العلاج الناجع لهذا المرض الذي يعيق نمو المجتمع؟ فماذا قلنا نحن عن الفتنة حتى نعري مواقف من يستند إليها كمشجب يُعلق عليه أسباب إخفاقاتنا في درء عوامل حدوثها أو استفحالها في مجتمعاتنا العربية، لماذا تركناها كل هذا الزمن المديد كي تعتلي مداركنا وحواسنا ونحن عنها ساهون؟ لتغدو جزءا من مخبوء سلوكنا الكاره للآخر. في اعتقادي أن أولى أولوياتنا هي فتح حوار حقيقي بين مؤسسات المجتمع المدني عامة وبين الجمعيات السياسية التي تكرر القول دائما إنها تمثل الناس بمختلف تحدراتها وانتساباتها الفكرية. وثاني هذه العلاجات المضادة للفتنة الطائفية هو العمل وفق حقوق المواطنة وواجباتها، والديمقراطية والمزيد من الديمقراطية، والإفادة من متاحات المشروع الإصلاحي الضخمة في تعزيز مخزوننا الوطني من التسامح في المجتمع وفضح مسعى كل أفاك في تحويل الديمقراطية إلى سب وشتيمة وتسقيط.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email