Connect with us

أخبار

تهميش الكفاءات نتيجة غياب استراتيجية واضحة للاستثمار الامثل للموارد البشرية

Published

on

 

الوطنية بريس

 

ان نجاح الإدارة في تنفيذ السياسة المرسومة لها يتوقف إلى حد كبير على مدى حسن اختيارها للموظف الكفء وتعيينه في الوظيفة التي تتلاءم ومؤهلاته وقدراته واستعداداته بحيث “يفكر كل عقل في ميدانه الطبيعي وتعمل كل يد في حقلها المختص” وبالتالي يوضع الموظف المناسب في المكان المناسب والتاريخ خير شاهد على أن سوء اختيار الموظفين أدى حتما إلى إفساد الإدارة.

ومما لاشك فيه ان غياب استراتيجية واضحة تحدد الإطار المرجعي للكفاءات والوظائف هي أهم إشكالية تعاني منها الإدارة المغربية في مجال تدبير الموارد البشرية إضافة إلى اقتصار التدبير على الجانب القانوني والتسيير اليومي للمشاكل التي تعرفها الإدارة على حساب التدبير الفعال المبني على منطق التدبير التوقعي والاستراتيجي للموارد البشرية.

 

فلقد كانت المناصب في الماضي ينظر إليها كأنها غنيمة أو سلعة يمكن أن تورث أو أن تشترى وفي فترة لاحقة اصبحت الوظائف حكرا على فئات وطبقات معينة من المجتمع ثم عرفت عمليات الانتقاء تطورا ملحوظا حيث أن الفئات الأكثر حضوة في المجتمع لانتماءاتها الأسرية والسياسية هي التي تتسلق السلم الوظيفي بسرعة هائلة بغض النظر عن مؤهلاتها وكفاءتها.

وما يؤسف له أن هذه الطرق لا زالت معروفة في وقتنا الحاضر في التعيين بجميع الوظائف داخل الدولة المغربية وهكذا تبدو ضرورة إبعاد النفوذ السياسي والتدخلات والمحسوبية عن عملية اختيار الموظفين واعتماد مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أمام جميع المرشحين باعتبارها الأساس السليم الذي تقوم عليه الإدارة الناجحة واختيار الموظفين على أساس الجدارة والاستحقاق .

فالإدارة لا تعاني من انعدام قلة الكفاءات البشرية، أو انعدام الإمكانيات المادية بل من غياب استراتيجية واضحة للتدبير .

 

إن نجاح وظيفة التدبير رهين بكفاءة ومهنية الموارد البشرية ومن بين أسباب “انحطاط” مهام التدبير لدى العديد من الإدارات ليس مرتبطا في الغالب بقلة الإمكانيات بل يتعلق بالسياسة المعتمدة في اختيار المسؤولين حيث تهيمن الزبونية والمحسوبية، إضافة إلى غياب المهنية. وحيث أن عقلية رؤساء الإدارات في ظل غياب تأهيلهم للارتقاء إلى مستوى التحديث سببا في فشل الإدارة المغربية.

 

Advertisement
Ad Banner

كما أن الموارد البشرية العاملة في الإدارات المغربية تعيش عدة إشكالات منها أن الإطار القانوني الحالي للموظفين يحول دون تدبير الموارد البشرية تدبيرا فعالا إضافة إلى غياب التحليل التوقعي لمؤهلات الموارد البشرية وعدم تحديد حاجيات التوظيف بناء على دليل مَرجعي للوظائف والكفاءات.

 

كما نجد ان نظام مباريات التوظيف لا يستجيب في شكله الحالي لحاجيات الإدارة المغربية من الكفاءات فبالرغم من عشرات البرامج الإصلاحية التي تمّ اعتمادها منذ الاستقلال فإن مباريات التوظيف بناء على القواعد القانونية الموجودة حاليا لا تساعد على انتقاء المترشحين المؤهلين للقيام بأنشطة معينة لكون التوظيف يتم بناء على تخصصات تحددها الجامعات والمعاهد وليس بناء على حاجيات الإدارة من الكفاءات إضافة إلى أن نظام المباريات لا يمكن من معرفة الكفاءة الحقيقية لكل مترشح على حدة.

 

فتوطين الحكامة الجيدة داخل الإدارة العمومية والنهوض بالرأسمال البشري باعتماد آليات التدبير التوقعي يقتضي وجود رقابة فعالة وقريبة تحرص على الاستثمار الأمثل للموارد البشرية والتصدي للزبونية والمحسوبية في تدبير مختلف الوضعيات المهنية والإدارية للموارد البشرية بشكل يضمن تطبيق مبادئ الاستحقاق والكفاءة ووضع الأطر المناسبة في المكان المناسب وتنظيم الهيكلة الإدارية وتوضيح المهام والمسؤوليات. وهذا من شأنه أن يواجه السلوكيات الفاسدة و التلاعبات التي تمارس تحت غطاء الرقابة الشكلية والنصوص التنظيمية المتقادمة والمتناقضة مع الرهان الوطني والدستوري القائم على المواطنة والديمقراطية والحكامة الجيدة و النزاهة و مبادئ الاستحقاق و الكفاءة.

فلقد ظل نظام تدبير الموارد البشرية يشكل أحد أهم الاختلالات التي تعاني منه الإدارة العمومية والذي ينعكس على جودة الخدمات المقدمة وعلى أداءها ومساهمتها في تحقيق نجاعة السياسات العمومية والتنمية المستدامة. فهو لا يستجيب للتطلعات والطموحات المنتظرة من الإدارة العمومية لمواكبة التحولات والتطورات الكبرى التي تعرفها الدولة والمجتمع في وقتنا الحاضر.

ومن أهم الاختلالات القانونية في تدبير الموارد البشرية في المغرب التي أصبحت حقيقة تؤرق الجميع، هو تقادم النص القانوني المنظم للوظيفة العمومية أي النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لسنة 1958 و الذي تم إعداده غداة الاستقلال و تم اقتباسه من النموذج الفرنسي الصادر في 19 أكتوبر 1946، وهي فترة تزامنت مع إشعاع النموذج البيروقراطي الذي استخلص منه مبادئ العمل، فرغم التعديلات التي عرفها هذا النص و التي وصلت إلى حدود اليوم إلى سبعة عشر تعديلا، يبقى النظام الأساسي للوظيفة العمومية غير قادر على مواكبة التحديات التي تواجهها الإدارة على مستوى التوظيف و الترقية و التكوين و تقييم الأداء و الاستحقاق و كذا في ما يتعلق بالأخلاقيات و النزاهة .

كما يقتصر تدبير الموارد البشرية على تدبير تقليدي للأعداد و الكفاءات حيث يخضع هذا التدبير لمنطق مرتكز على الشكلية القانونية والكمية و يستبعد التدبير التوقعي الذي يساهم في الاستثمار الأمثل للموظفين مما ينتج عنه هدر للكفاءات من الموارد البشرية و عدم وضعها في المكان المناسب الذي يجب أن تشغله فالتكوين الأساسي للموظف لا يِؤخذ بعين الاعتبار في إسناد المناصب داخل الإدارة العمومية و عملية التوظيف و إسناد مناصب المسؤولية لا تتم وفق دليل يوضح حاجيات الإدارة من المواصفات المطلوبة في الموارد البشرية مما يفتح المجال للمحسوبية والزبونية.

وتجدر الإشارة إلى الأهمية المستعجلة لتطبيق هذه الدلائل التي سوف تقطع الطريق أمام نظام الولاءات والمحسوبية الذي يعتري إسناد المهام ومناصب المسؤولية حيث يقدم المقربون والأقارب ومن هم أدنى كفاءة وخبرة وذلك في مقابل تهميش الكفاءات التي تحمل مشاريع وتصورات في التدبير وتجويد الخدمة العمومية. فوجود دلائل ملزمة تحدد بشكل دقيق المواصفات المطلوبة لممارسة وظيفة معينة أو شغل مسؤولية معينة كفيل بالقضاء على التلاعب بإسناد المناصب والمهام.

كما يخضع إسناد مناصب المسؤولية لمرسوم متناقض تماما مع ما تقتضيه حكامة التدبير وفعاليته حيث يرتب هذا النص التنظيمي معايير بعيدة عن منطق الكفاءة والاستحقاق وإسناد المسؤولية على أساس المواصفات والشروط الدقيقة اللازمة لشغل منصب المسؤولية فهو ينص على الدرجة والأقدمية معيار وحيد لإسناد مناصب المسؤولية بغض النظر عن طبيعتها وعن المؤهلات التي يجب توفرها في الشخص الذي سوف يشغرها وفي ظل هذه العمومية والضبابية في المعايير يتعزز منطق الولاء والمحسوبية وتغيب الشفافية ومبدأ الاستحقاق. فرئيس الإدارة واللجنة التي يتم تشكلها لإجراء مقابلات الانتقاء قد تصبح مجرد إجراء شكلي قانوني يخفي الفساد والاختلالات التي تشوب هذه العملية.

 

 

Advertisement
Ad Banner

نجيم مزيان : دكتور في الحقوق، خريج مختبر الحكامة والتنمية المستدامة سطات

Continue Reading
Advertisement Ad Banner
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *