الوطنية بريس

اختتمت يوم أمس السبت 20 نونبر 2021 بمقر دار الشباب المسيرة بزاوية الشيخ مجموع فقرات و أنشطة برنامج الأيام الإشعاعية للجمعية الثقافية تحت شعار ( الثقافة في خدمة الإنسانية ) ، و ذلك في أول تحد رفعه أعضاء المكتب الحالي من أجل العودة إلى واجهة العطاء و تأطير الحركة الثقافية بالمدينة ، و قد لا يفوت الجميع أن التوجه العام للجمعية امتح رؤياه من فلسفة العودة إلى الذات المحلية ، و الغوص في ذاكرتها و حاضرها احتفاء بطاقاتها و مقوماتها الطبيعية و التاريخية و التراثية .

 

أيام 18 و 19 و 20 نونبر 2021 كانت بحق صرخة ثقافية في وجه الفراغ ؛ و إعلان ولادة و وجود طويل ، هذه اللحظات اختارت أن تقترب من المنتوج الشعبي وفق مقاربة لا ترى في وصلة أحيدوس تهييجا للغرائز، لا بل احتفاء بما نسجته الصنعة و الذوق الشعبي على مدى عهود طويلة عرفت تحولات كثيرة قبل أن تصل إلينا اليوم في صيغتها الحالية مفتاحا للانفتاح على ذاكرة جماعية نحمل كمجتمع مدني ، و كمهتمين و مشتغلين على التراث مسؤولية رد الاعتبار و التصالح معه و إعادة تقديمه للمجتمع خاليا من التمثلات المسيئة أحيانا – عن غير قصد – ، أو مسلمات تضعه في خانة الثقافة الرديئة، أو تربطه بكثير من مظاهر الميوعة و الابتذال .

 

لا ، فهاجسنا و مشروعنا هو احتضان المعرفة العالمة ، و النخبة لهذه الثقافة الشعبية بكامل تجلياتها ( حرف و صناعات و مهارات تقليدية و تراثية ، مظاهر الاحتفال و التعبير الشعبية – الحضرة الصوفية – ، تجسيد موكب الهدية ، صناعة الآلات الموسيقية التراثية ، كل أنواع الإنتاج التي تتولى أنامل نساء يخرجن من صلب المجتمع المحلي ليقدمن ذخيرة من أشكال التفاعل مع المقومات الطبيعية و المواد الأولية التي يتيحها المجال ثم تبعث فيها روحا جديدة لسد حاجات عديدة من ملبس و أوان ؛ و أدوات ؛ و مأكل و وصفات تجميل و تزين …

 

هذه التعاونيات الإنتاجية النسائية المحلية التي حضرت أيام الملتقى جسدت عميقا قدرة الإنسان على الاستجابة لتفاعل متدفق مع المجال ، و هذه الدينامية على الرغم من بعدها الفطري إلا أنها تعد المفتاح الذي يشرع في وجوهنا أبواب الثقافة الشعبية على مصراعيها .

 

حتى الحلقة و مظاهر التعبير الشفهية من حضرة صوفية تجسدت بالاحتفاء الحصري لطائفة عيساوة المحلية – أصحاب الشيخ -؛ و للمشهد الذي تفضل بعرضه المسرحي المقتدر الأستاذ سعيد الدليمي مفتتحا إياه بصيحة على غرار ما يحبل به فن الحلقة .

و قدمت قصيدة الزجل التي ألقى بعضها الفنان الأصيل بوبول عبد القادر رهانا مشروعا للتعبير الفني و صياغة الصورة الشعرية و أدوات البلاغة باللسان الدارج لتعميق الصلات بالناس ؛ أجل بالناس الذين يعيشون الحياة على سجيتهم بلا تكلف أو تصنع و هؤلاء هم الذين نقصد أن ننحاز إليهم انسجاما و إدراكنا لما لاقته هذه الفئة العريضة من الشعب من الإهمال و التهميش .

 

فمن سيعيد لها الاعتبار و من سيدمجها ضمن مشروع التنمية العام إذا لم نؤمن نحن المجتمع المدني بذلك .

حتى الصورة الفتوغرافية لم تخرج من دائرة اهتمامنا حيث أفردت فعاليات الأيام الثقافية اهتماما بالغا لها باعتبارها وثيقة لحفظ الذاكرة ، و لرتق الزمن بين الأجيال ، و لتوثيق الماضي خشية من طمسه و انمحائه في ظل عجلة ماكينة هدارة تعصف بذاكرتنا بكل استخفاف بل و أحيانا بكثير من العداء .

و قد كان للمعرض الاثنوغرافي حضور و صدى لافت حيث وقف الزائرون للقاعة التي احتوت تشكيلة متنوعة من الأدوات الخشبية و الخزفية و الحديدية و المعدنية التقليدية كشفت للأطفال و اليافعين صورة عن نمط العيش الذي طبع أسلافهم ، و قد انتهز أعضاء الجمعية و ذوي الغيرة عن تراثها فرصة حضور السيد رئيس الجماعة الترابية و بعض أعضاء المجلس الحالي للترافع عن حق زاوية الشيخ في نواة دائمة للمتحف الاثنوغرافي .

و نظرا لأن الطفل و اليافع يقعان في قلب انشغالات التوجه العام للجمعية الثقافية فقد احتفت بالطفولة و رسمت البسمة و الفرح على كثير من الصغار خلال صبيحة خصصت لتنشيطهم تميزت بدعوة فرقة محلية لفن البهلوان عرفت إقبالا و نجاحا صريحا ؛ و قد تلا هذا النشاط عرض سخي لإحدى الكفاءات المحلية في التنمية الذاتية السيد حسن جابر بتقديمه عرضا بعنوان ( وصفة النجاح ) مخاطبا في الشباب تفعيل التحفيز على خلق الدافعية للتعلم ، و بناء القدرات التي تعزز من حظوظ النجاح في مجالات الحياة قبل النجاح المدرسي المعياري و القدرة على الاختيار و بناء القرار.

و من أقوى لحظات الأيام الإشعاعية تلك التي تم فيها الاحتفاء بالصناعات و الحرف اليدوية التقليدية عبر تكريم أسماء و وجوه عرفانا لها بما بذلته في سبيل الحفاظ على هذه الوثائق من فصول ذاكرة زاوية الشيخ .

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email