1 – مقدمة:

لقد جاء الإسلام للحفاظ على الكليات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال. وجعل المال قوام الحياة، وأكبر الأساليب لعمارة الأرض. فاستخلف الناس جميعا على المحافظة على المال العام، لأن نفعه يعود عليهم جميعا. ولما كانت نزعة حب المال متأصلة في الإنسان كما قال سبحانه : (( وتحبون المال حبا جما )) الفجر: 20. وقال أيضا : (( وإنه لحب الخير لشديد )) العاديات: 8. أباح الملكية الفردية ووضع لذلك نظما تحقق التوازن الاجتماعي في تداول الأموال بين الناس، فقال سبحانه : (( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )) الحشر: 7. ومن هذه النظم الزكاة والإرث والضمان الاجتماعي. ثم جعل لذلك ضوابط لأي تصرف في المال، فحرم اكتسابه بالوسائل غير المشروعة، كالربا، والميسر، وكل ما له أثر في فقدان التوازن الاجتماعي. كما حرم السرقة والاعتداء على مال الغير، سواء بالتحايل أو بالرشوة. كما شرع لذلك حدودا وعقوبات، ومنع صرف الأموال في غير أوجه المنافع، كالتبذير، وسن قوانين لحفظ أموال القصر كاليتامى والصغار حتى يبلغوا رشدهم ونصب لهم الوصي عليهم. وقرر أن العقود لا تمضى بين المتعاقدين إلا عن طريق التراضي والعدل. ثم دعا إلى تنمية المال واستثماره في الأوجه المشروعة ليؤدي وظيفته الاجتماعية.

 

2 – أقسام الملك:

لقد قسم العلماء الملك إلى قسمين:

الملك الخاص، والملك العام.

فالملك الخاص: هو الملك الذي يملكه شخص معين أو أشخاص محصورين، ويجوز التصرف فيه بالأصالة أو بالوكالة أو بالولاية.

وأما الملك العام : فهو الذي خصص لمصلحة عموم الناس ومنافعهم، كالمساجد، والطريق العام الذي يستغل للمرور.

 

3 – خصائص الملك العام في الإسلام:

الملك العام في الإسلام يتميز بخصائص تميزه عن الملك الخاص، ومن أهم هذه الخصائص:

أولا: المالك الحقيقي لكل ما يدخل في مسمى الملك سواء كان خاصا أو عاما هو ملك لله عز وجل. فملكه مطلق كامل، وملك غيره قاصر نسبي، فما يملكه زيد لا يملكه عمرو، والتصرفات في الملك ليست على إطلاقها بل هي مضبوطة بقواعد الشريعة. قال تعالى : (( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا )) الإسراء: 29.

ثانيا: حق الانتفاع والاستغلال للملك العام للجماعة وليس للأفراد، فلا يجوز أن يقتصر النفع على فرد واحد أو جماعة معينة بل هو لعموم الناس.

ثالثا: الذي يضبط عملية الانتفاع بالملك العام ولي أمر المسلمين أو من ينوب عنه، عملا بالضوابط المستوحاة من مبادئ الشريعة الإسلامية أو القوانين المنظمة.

فيستنتج من هذه الخصائص أن الملك العام حق للمسلمين جميعا، وليس ملكا لشخص بعينه، واستغلاله من طرف فرد من الناس أو جماعة يحصل به شر عظيم وفساد جسيم وبغي وتضييق على العباد.

 

4 – حكم الاعتداء على الملك العام:

لا خلاف بين العلماء في أنه من أتلف شيئا من الملك العام سواء بالاستغلال والانتفاع الشخصي الذي يؤدي إلى الحرج والتضييق على المسلمين أو بالإتلاف والإفساد، فإنه يضمن ما أتلفه ويلزمه رد كل ما أخذه. ولذا وجب على ولي أمر المسلمين أو من ينوب عنه أن يأخذ على أيدي هؤلاء المستغلين للملك العمومي، فيستخلصون بالقوة ما أخذوه من حقوق المسلمين، وتغريمهم بالغرامات التقديرية والعقوبات التعزيرية حتى يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه استغلال ما ليس له.

 

5 – الأسباب التي تدفع إلى الاعتداء على الملك العام:

الدوافع التي تدفع بعض الناس إلى الاعتداء على الملك العام والتطاول على ما ليس من حقه كثيرة، ومن هذه الأسباب:

أولا: ضعف الإيمان ورقة الديانة، فالمغتصب للملك العام لا يستحضر خوف الله عز وجل ولا عقابه ولو فعل لاكتفى بما في يده وقنع بما قسمه الله له.

ثانيا: سوء الخلق وانعدام المروءة وصفاقة الوجه وقلة الحياء والأنانية المفرطة إلى درجة النرجسية والشره والطمع والحسد، كل هته الصفات وغيرها تجتمع فيمن يستغل الملك العام بدون موجب شرع ولا سند قانوني.

ثالثا: ضعف وقصور المنظومة القانونية المنوط بها حماية الملك العام، وذلك بعدم تفعيل وتطبيق القوانين، أو بفساد الجهات التي تشرف على حماية الملك العام.

رابعا: تفشي المحسوبية والمجاملات الشخصية والكيل بمكيالين، فيطبق القانون على من لا ظهر له يستند إليه و يغض الطرف على من له قوة سلطان أو مال.

 

6 – كيف نظم القانون عملية الملك العام ؟

لقد وضع المشرع المغربي نظاما خاصا ينظم أملاك الدولة الخاصة التي تسمى الملك العمومي، وقد تطور مفهوم الملك العمومي بتطور الاجتهادات الفقهية والقضائية، ويطلق على مجموع الأملاك المخصصة للمنفعة العامة، إما بالاستعمال المباشر من طرف العموم أو المرفق العام الذي يميز الملك العمومي عن غيره وذلك حسب النقط التالية:

أولا: المالك له شخص معنوي كالدولة والجماعات المحلية والإدارات الحبسية وأراضي الجموع.

ثانيا: مخصص للمنفعة العامة فيكون موضوع تهيئة خاصة لهذا الغرض.

وقد جاء في ظهير فاتح يوليوز 1914 تعريف الملك العام، أن الأملاك العمومية لا يسوغ لأحد أن ينفرد بتملكها لأنها على الشياع بين الجميع. وتتكفل الدولة بتدبير أمرها وعدم قابلية التملك من طرف الخواص.

ويبدو أن هذا التعريف لم يحط بالملك العام ويوضح طبيعته، لكن في القضاء فسر مبدأ الاستعمال بأن يكون من طرف الجميع، فجعل هذا المعيار هو المميز بين الأملاك العامة والأملاك الخاصة. فالأملاك العمومية هي الأملاك العقارية أو الأموال المنقولة سواء كانت مخصصة للاستعمال المباشر للجمهور أم كانت مخصصة لخدمة المرافق العامة، وذلك وفق لما جاء في الاجتهاد القضائي وهذا يوضحه ما في قضية طرحت على المحكمة الإدارية بفاس بتاريخ 10/12/2002: ” وحيث أن المقصود فقها وقضاء بالأموال العامة سواء كانت للدولة أو للجماعات أو المؤسسات العمومية هي تلك الوسائل المادية التي تستعين بها الجهات الإدارية على ممارسة نشاطها خدمة للصالح العام، ويشترط لاعتبارها أموالا عامة أن تكون مخصصة للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى القانون من جهة أخرى، والتخصيص بالفعل معناه رصد المال العام لاستعمال الجمهور مباشرة، اما التخصيص بالقانون فهو متى ينص القانون على اعتبار مال معين من الأموال العامة “. فالنص يتبنى معيارين: المعيار العملي، والمعيار القانوني لتحديد صفة الأملاك، وهذان المعياران يحدان من شطط الإدارة في استعمال السلطة التقديرية في مجال تخصيص الأملاك العمومية.

وهناك ما أطلق عليه مبدأ مجانية الاستغلال، فإذا كان من حق كل فرد من أفراد المجتمع أن ينتفع بالملك العام للغاية التي يسخر لها في إطار الانتفاع العام كالمرور، والجلوس،… دون إلزام الأفراد بأخذ ترخيص من الإدارة لأجل السير في الطرقات العامة أو التجول في المنتزهات فإن قيام بعض الأشخاص باستغلال الملك العام لأغراضه الشخصية يعتبر مساسا بالحريات وضربا للخصوصيات وعرقلة للنظام، وعلى السلطات الإدارية أن تحرص كل الحرص على تمثيل الأمن العام وتوفير السكينة والصحة العامة من خلال ممارسة الرقابة التي تقع على كاهلها عملا بمبدأ مساواة الجميع في الحقوق والواجبات أمام القانون.

 

7 – الخاتمة:

حاصل ما ذكر يمكن القول بأن الملك العمومي ببلادنا يكتسي أهمية بالغة باعتباره قطاعا فعالا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والايكولوجية، لكن ما نراه اليوم من تطاول بعض الأشخاص على الملك العام دون مراعاة لمشاعر المواطنين، أو تقيد بالقوانين المنظمة لذلك يعتبر سلوكا سافرا غير أخلاقي، يلزم معه الضرب على أيدي كل من سولت له نفسه استغلال الملك العام لأغراضه الشخصية، ومنافعه الذاتية.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email