الوطنية بريس حمزة الحساني
باحث بحوار الأديان

• الهجرة والعولمة واللايقين:
العالم اليوم يكاد أن يكون بمثابة البيت الواحد، منفتح الأبواب والنوافد، بين كل قاراته وشعوبه، مع تباين الأديان والقيم والأعراف.

ورقتي هذه سأعالج فيها قضية تحدي الحفاظ على القيم، في ظل الانفتاح والواقع على ما هو عليه، وخاصة بتعاون كل عقلاء المرحلة، كما ينورنا بذلك الوحي الذي يسمي عقلاء المرحلة، على اختلاف انتماءاتهم وأعراقهم، وأديانهم وقناعاتهم، “أولوا بقية” هود 116، دورهم المشترك، وخلقهم الجامع هو: “ينهون عن الفساد في الأرض” هود 116.
مسألة اليقين، هي تكاد أن تكون أزمة وجدان هذا العصر، إذ سبل الشكل متاحة بترف، بينما سبل اليقين محاصرة، أو متأزمة، تطل حينا على الواجهة، وتغيب أحيانا كثيرة.

مقصد الديانة والعبادة، هو الحصول على اليقين، لقول الحق سبحانه: “واعبد ربك حتى ياتيك اليقين” الحجر ٩٩، إذ جعل اليقين غاية ووسيلة في الآن ذاته، غاية العبادة والاستيقان به، ووسيلة للاطمئنان والسير في الحياة بسلام.

تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء باعتبارهم إخوة في كثير من النصوص، باعتبارهم إخوة في الدعوة إلى اليقين، في مقابل تيارات شغلها الشاغل، هو التفتين وهدم صروح اليقين، من مثل حديث: “يرحم الله أخي موسى..” صحيح البخاري ٤٣٣٥ ، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم مرة، من يأتون بعده بإخوته، وأبى أن يصف الصحابة رضوان الله عليهم بذلك، لأن مستوى البحث عن اليقين في من بعده أقوى، لقوله: “ءامنوا بي ولم يروني” ابن عبد البر، التمهيد (٢٠/٢٤٥) ، والعلماء منهم خاصة، لقوله: “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل” ابن مفلح، الآداب الشرعية (٢/٣٧) ، يعني أنهم يشتركون في مهمة التربية على اليقين، وربط الخلق بالحق، وحين يعبر صلى الله عليه وسلم بـ (أمتي)، فالمراد هو الأمة قاطبة، أي كل مكونات المرحلة، فكل يعمل على شاكلته، كما يقول الله، والمقصد واحد في النهاية.

في تربية الله لنبيه إبراهيم عليه السلام، قال: “وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين” (الأنعام ٧٥)، بمعنى أن النظر والتأمل والبحث سبيل ووسيط للوصول إلى اليقين، فلا ننكر على أبناء هويتنا وأصالتنا، أن يطرحوا أسئلة شاكة أو استفسارات ولو في صلب العقيدة والهوية، لأن الإجابة عن سؤالهم وشكهم، هي البلسم الوحيد لإشفاء غليلهم وتطبيب فؤادهم.

من داخل صيدلية الإسلام، نجد الوحي يطرح سبيل اليقين والطمأنينة، بالفكر والذكر والشكر، فإذا أخذنا بها سبلا لليقين والطمأنينة نجدها الحل الآكد لتحقيق ذلك، لقول الحق سبحانه “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” ، تطمئن بعد اهتزاز، بعد شك، بعد قلق، بعد تساؤلات، فهي وسائل نافعة لكيان الانسان، الذكر للقلب، والفكر للعقل، والشكر للسان، ابتغاء الوصول الى اليقين، في ظل تحولات وتغيرات عالمية خطيرة، تشكك في كل شيء، من أجل الشك لا من أجل اليقين، وإلا فالشك ابتغاء اليقين، هو مقبول ونافع، كشك إبراهيم، الشك المرحلي لا المنهجي، شك ابرايهم والغزالي لا شك رينيه ديكارت.

هويتنا لا تتعارض مع الهجرة أو الهجرات، شريطة الحفاظ على حقوقهم من طرف البلدان والثقافات المستضيفة، وإلا فسيدنا صلى الله عليه وسلم يوم أرسل وفد المخزون الاحتياطي للدين، إلى قارة افريقيا، بالحبشة -اثيوبيا حاليا- وهو يعلم يقينا أنها مملكة نصرانية، إلا أنه ضمن لهم العدالة، فقال: “إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد” ، فظلوا هناك حوالي 18 سنة، بما فيهم ابنته، زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنهما، فالذي نفهمه من هذا هو أن الإنسان إذا بنيت عقيدته، لا يُخشى عليه، إذ بناء الباطن لا يؤثر عليه مخربو الظاهر.
هذه الكلمات عناية واهتمام بالمهاجر، قصد الحفاظ على الهوية، والاستمساك بعرى القيم والأعراف والأصول.
———————
حمزة الحساني : طنجة – المملكة المغربية : أستاذ الثانوي التأهيلي، وباحث بسلك الدكتوراه تخصص حوار الأديان، جامعة عبد المالك السعدي كلية أصول الدين.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email