الوطنية بريس

بعد أن تناولت في الحلقة الثامنة من سلسلة الحلقات المخصصة للجامعة المغربیة مھنة الأستاذ
تمثلات المجتمع وأصحاب القرار لمھنتھ ورسالتھ الإنسانیة النبیلة. الجامعي وتحدید مھامھ وطبیعة

ومستویات مسؤولیاتھ، یمكن طرح سؤال المقاربات الممكنة لتغییر
إن أیة محاولة لإحداث التغییر في ھذه التمثلات السلبیة، رھینة ببلورة رؤیة شاملة ومندمجة
لتدبیر الكفاءات والاستثمار في الرأسمال البشري. وھي الرؤیة التي یمكن أن تنبني على مرتكزات
أساسیة، منھا:آلیات التوظیف ومشكلاتھ وآلیات التكوین ورھاناتھ وآلیات التحفیز وأشكالھ وآلیات
التواصل وقنواتھ وآلیات التقییم والمراقبة والمحاسبة واختلالاتھا. لیس الغرض من عرض ھذه
لصیاغة تصور قابل لأن یشكل أرضیة للتأمل وللقیام بأبحاث ودراسات معمقة نظریا وتطبیقیا.

المرتكزات ھو التدقیق في كل الحیثیات والتفاصیل التي لا یمكن الإحاطة بھا في حلقات، بل ھي محاولة
ھذه الحلقة سأخصصھا للإشارة لطبیعة آلیات التوظیف ومشكلاتھ في الجامعة المغربیة.
فالمرشحون لعضویة الھیئة البیداغوجیة یتقدمون بعد الإعلان عن المباراة بملف حول حصیلة
أنشطتھم العلمیة والأكادیمیة. كما تتم عملیة الانتقاء والتقییم والمقابلة من طرف لجان یتم تعیین
أعضاءھا من طرف رئیس المؤسسة لانتقاء وتوظیف الأساتذة الباحثین(أسئلة عریضة طرحت
وتطرح حول حرص بعض العمداء مثلا على تعیین نفس الأسماء في ھذه اللجان وإقصاء أسماء
أخرى). وھو ما یطرح التساؤل حول جدوى ھذا النوع من التوظیفات، التي وإن افترضنا أنھا تتم
في إطار احترام المساطر القانونیة والتنظیمیة ومعاییر النزاھة والشفافیة، وھو ما یصعب تأكیده
في أغلب الأحوال وفي كثیر من الحالات، فإنھا تعتبر ھدفا لحد ذاتھا أكثر مما ھي وسیلة للرقي
بالجامعة ومنظومتھا البیداغوجیة، وأداة لضمان نجاعة وظیفة تدبیر الموارد البشریة. ھكذا،
فبالإضافة إلى عدم اختبار المرشحین في المعلومات والخبرات اللازمة لأداء مھامھم العلمیة
والبیداغوجیة وواجباتھم المھنیة، فھناك أشكالا أخرى من الاختلالات التي تمیز ھذا النمط، منھا:
– عدم إخضاع المرشحین للاختبارات النفسیة وللمقابلات الخاصة الھادفة إلى استكشاف میولاتھم
واتجاھاتھم وحبھم للمھنة المستقبلیة، وقیاس قدراتھم التواصلیة والمنھجیة ومدى تمكنھم من آلیات

البیداغوجیا الجامعیة(یمكن الاطلاع على الحلقة الخاصة بإصلاح الجامعة وسؤال الابتكار والتمیز
– عدم إخضاع المرشحین لفحوصات بھدف قیاس مدى التوازن السیكولوجي والقدرة على
ممارسة وظائفھم ومھامھم وتحمل مسؤولیاتھم البیداغوجیة والأكادیمیة بإخلاص وتفاني.
لا مراء في كون ھده المقاربة تستوجب اللجوء إلى تقنیات حدیثة وخبراء مختصین في
علوم الإدارة والتدبیر وفي علم النفس والاجتماع. وھو ما یتطلب رصد إمكانیات مالیة ھامة لتلبیة
الحاجیات الضروریة لوضع نظام جدید لاستقطاب الأطر والكفاءات. وھو النظام الذي من شأنھ
أن یحدث قطیعة مع المقاربات الكلاسیكیة المعتمدة بقطاع الوظیفة العمومیة في شمولیتھ. غیر أن
قیاس جدوى وأھمیة ھذا النظام الجدید وتأثیره المستقبلي على أداء العمل الإداري والتربوي وعلى
سیر الإدارة الجامعیة وحسن تدبیر شؤونھا سیجعل العملیة في مجملھا عملیة استثماریة مربحة
على المدى المتوسط والبعید. فغیاب الآلیات الحدیثة والمتطورة قد یفسح المجال لبعض الوافدین
على التعلیم الجامعي الذین یجعلون رھان الجودة والتحدیث والتغییر في المضامین والبرامج
والمناھج التربویة في مؤخرة اھتماماتھم وانشغالاتھم. ویصبح الرھان الأساسي لدى ھؤلاء ھو
الحصول على المكاسب والمناصب والكراسي ووو… إن غیاب المقاربات الحدیثة في مجال
التوظیف، یساھم في طغیان التمثلات السلبیة لمھنة الأستاذ الباحث وتراجع مكانتھ الاعتباریة.
غیر أن تعزیز ھذه المكانة یستوجب بالأخص استحضار وتبني رؤیة شاملة للحوافز المأمولة والتي تتخذ
طابعا مادیا ومعنویا.

الحسین الرامي أستاذ القانون العام بجامعة ابن زھر

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email