الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور وخصه بالفضل المشهور وكثرة الأجور، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، إن الصوم ركن من أركان الإسلام، والمسلم مطالب بأداء هذه العبادة بصدق وإخلاص وصفاء نفس عملاً بقول الحق سبحانه: ” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه “. فالصوم واجب على كل مسلم قادر على صيامه، خال من الأعذار الشرعية، ولا ينبغي أن يستهين مسلم بهذه   الفريضة حتى لا يخرج عن دائرة الإيمان ويكون منكراً لأمر معلوم من الدين بالضرورة. وبعيداً عن الالتزام الديني المفروض على كل مسلم تجاه فرائض دينه فإن مكاسب فريضة الصوم عديدة تشمل ما هو روحي وما هو تربوي وما هو أخلاقي وما هو اجتماعي وما هو اقتصادي، والحرص على الصوم بآدابه وأخلاقه يحقق للمسلم حالة من الصفاء والطمأنينة والسكينة لا تتوفر له في أي ظروف أخرى. ولكن بتهيئة النفس لأداء عبادة ترقى به إلى درجات عليا من السمو الروحي والأخلاقي، ولذلك هو مطالب بالتخلص خلال الأيام القادمة من كل السلوكيات الخاطئة والأحقاد والضغائن على الآخرين، وأن يتسلح بالعفو والرحمة والتسامح مع كل خلق الله. كما أنه ليس مجرد إمساك عن المفطرات ثم ينطلق الصائم يظلم ويغتاب ويهمل عمله ويتهرب من التزاماته الوظيفية بحجة الصوم، أو ينفعل على زملائه في العمل، أو على المواطنين الذين ذهبوا إليه لقضاء مصالحهم، أو الذين يسيرون إلى جواره بسياراتهم في الشوارع، فيضايقهم وينفعل عليهم، أو يسيء إلى زوجته وأولاده بعد عودته من العمل تحت ستار الصوم والحرمان من الطعام والتدخين وغير ذلك مما يشتهيه وتعود عليه طوال العام. وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال : ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه “. فشهر رمضان دعوة لكل المسلمين بأن يتخذوا من هذه الأيام المباركة فرصة لإنهاء خلافاتهم ونزاعاتهم مع جيرانهم وأهلهم وأقاربهم. فما أجمل أن يعم التسامح وتنتشر الرحمة والمودة بين المسلمين في هذه الأيام الطيبة، لنستقبل رمضان ونتقرب إلى الله فيه بكل العبادات والطاعات ونخرج منه بما أراد الله لنا من مكاسب روحية وأخلاقية واجتماعية وصحية، فتحقق فريضة الصوم وما يصاحبها من عبادات وطاعات وأخلاق كريمة أكبر قدر من المكاسب في حياتنا.

وإذا كان رمضان فرصة لمحاسبة النفس ووقف عدوانها وظلمها للآخرين، فما أعظم التوبة عن رذيلة العقوق الأسرى والاجتماعي في رمضان، وما أجمل أن تسمو النفوس عن الخلافات والصراعات والمطامع والشهوات وتتخلص من كل ما يغضب الله ويغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتبدأ صفحة جديدة من الصفاء النفسي، فالجفوة والقسوة التي أصابت نفوس الكثيرين منا أفسدت العلاقات الإنسانية والاجتماعية بينهم وبين الآخرين، وعلينا أن نتخلص من كل سلوك خشن في هذا الشهر المبارك ليكون السلوك الإنساني الراقي أسلوب حياة دائم لنا طوال أيام وليالي رمضان وما بعد رمضان. وتجدر الإشارة إلى أن الله عز وجل خص رمضان بالتكافل الاجتماعي فجعل إفطار الصائم خلقا ساميا وإيثارا فريدا يجسد وشيجة الإيخاء بين المسلمين، وخاصة في هذه الأيام حيث يعاني الكثير من الأسر الهشاشة وعدم توفير الحد الأدنى من الكفاية في توفير القوت اليومي. والحمد لله رب العالمين.

حميد عسلاوي

 

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email