كتب: عبد الرحيم باريج

كلما فتحت صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” وتصادفت مع صفحة الفتاة الطيبة دنيا الدخيسي ابنة فقيد الفن المغربي وأستاذ الأجيال الفنية المغربية المغفور له جمال الدين الدخيسي رحمه الله ابن جوهرة السياحة بإقليم وجدة أنجاد،وصاحب المدرسة الفنية الصافية النقية وهو نفس ما يحيل عليه اسم مسقط رأسه قرية “عين الصفا” التي تعني العين ذات الماء النقي الصافي..

كلما راجعت صفحة فلذة كبده،مرغما ترجع ذاكرتي للقاءاتي القليلة مع قامتنا الفنية التي طبعت مسار الفن المغربي المعاصر ونحتت فيه فكره ومواقفه التي يهتدي بها كل تلاميذه،ولا النسيان ولا الفراق ولا الموت يمكن لهم أن يهدّدوا وجوده بيننا،لأنّه كان مشروع حياة،وخاض كلّ نضالاته الفنية من أجل الحياة نفسها..وذلك للطاقة القوية في قدراته التمثيلية والإبداعية.

والفنان يمثّل بطبيعة الحال نقطة فارقة في حياة الشعوب واسمحوا لي أن أذكر هذا القول المأثور (إنّ إنجلترا يمكن أن تستغني عن مستعمراتها ولكنها لا تقدر أن تستغني عن شكسبير) وهذا حق، فقد ألهم شكسبير أمته بل وألهم العالم كله بكنوز من القيم الجمالية والإنسانية لا تستطيع أن توازنها أية قيمة مادية مقابلة.

والشعوب المتحضرة جميعاً تقدّر قيمة الفنان وتذكر أعماله ودوره في تطوير المجتمع وقد لا تذكر في المقابل السياسيين والوزراء…

ونحن في ذكرى فناننا المبدع لا يهمنا أن نذكر ما تقلّد في حياته من مناصب بقدر ما يهمنا أن نذكر أعماله الفنية التي نعرفها جميعاً التي من المؤكّد أنها ستظل مدى الأجيال علامات مضيئة في الحياة الفنيّة والثقافية،مثل أعماله المسرحية الرائعة “مهرجان المهابيل” و”النطحة” و”المهاجر” و”الملك لير” والعمل الفني الوطني “الملوك الثلاثة” وغيرها،وهي التي دخلت دون شك تاريخ الفن المغربي والعربي والتي ستظل بمثابة المرشد في فن التمثيل والإخراج،وستظل تلح على وجداننا لأنها تعالج قضايا مهمة،ولأنّ منظومة أعمال المرحوم جمال الدين الدخيسي تشكّل بحق ظاهرة في حياتنا الفنية نستطيع أن نطلق عليها مدرسة الدخيسي الفنية..

وحرفيته عشتها في تغطيتي لكل دورات المهرجان الدولي للراي بوجدة، حيث كان الوحيد من بين من تقلدوا إدارته الفنية الذين تقبلوا انتقاداتنا الإعلامية بصدر رحب، بل وقال لي رحمه الله مباشرة بعد انتهاء إحدى الندوات الصحفية بأنه يحترم من ينتقده أكثر ممن يجامله، علما أنه تحمل يومها أخطاء المنظمين وهفواتهم بابتسامته التي لازالت تلاحقني، فقط تأسف كثيرا حتى المرارة ممن استغلوا تعامله العفوي وتطوعه التلقائي لتسويق وجدة والشرق عبر الفن من خلال مهرجان الراي..

وكان من بين أول المهنئين مباشرة بعد صدور ملف حارق حول نفس المهرجان كانت له تداعيات كبيرة على مساري المهني وقتها كمراسل يومية وطنية معروفة،والكثير من المسؤولين المعنيين بالملف حينها شهدوا أن المرحوم كان من بين القلة التي دافعت عني عندما كان الكثير من بني حرفتي يتآمرون للإنتقام مني بسبب ما نشرته..

والشهادة لله فقد اتصل بي عبر صديق مشترك ينتمي لعين الصفا ليحذرني مما تم تدبيره لي للإنتقام مما نشرته في ذلك الملف الساخن عن كواليس المهرجان، وأشد ما كان يمقته هو الغدر والتآمر..

رحمه الله في هذا الشهر المبارك، وعسى أن تنتبه وزارة الثقافة إلى خطئها الكبير، حينما أغفلت حتى لا نقول تغافلت ، بتكريم هامتنا الفنية العربية في إطار فعاليات وجدة عاصمة الثقافة العربية،حتى لا تكرر نفس الخطأ الذي لا زال ساري المفعول في قرية عين الصفا ومدينة وجدة وإقليم وجدة أنجاد وجهة الشرق،في عدم تكريمه بتسمية إحدى المعالم الفنية باسمه أو مؤسسة تربوية أو شارع عوض ما نعيشه من استهتار بهاماتنا في كل القطاعات وتسمية ما سبق ذكره بأسماء غريبة عن المنطقة أو لا معنى لها..

لم يكن جمال الدين الدخيسي مجرد ممثل ومخرج وأستاذ فن،بل هو رمز حقبة كاملة من تاريخ الفن المغربي والعربي،ونحن بتكريمنا له بهذه الكلمات المتواضعة لا نكاد نفيه حقه بالعطاء الفني الذي منحنا إياه هذا الكبير في أمتي،والبرج الشاهق في سماء الفن العربي الذي أشعل فينا وهج الأمل،ورسم لأعمارنا مساحات من الأحلام الجميلة، ولون أعيننا بالفرح والابتسامات…

متميز كان ولعل ميزته وفرادته لا تكمن فقط في مسيرة عطائه الفني الذي لم يتوقف ينبوعه،بل أيضاً في إبداعه كممثل ومخرج ومثقف وفي روعة الانتماء،في روح الإنسان الذي كان دائم الطفولة داخله..

عقيم فكرنا وعقيمة ملامحنا وعقيمة احتفالاتنا بعاصمة الثقافة العربية ما دمنا لا نعرف قيمتك وقيمة المبدعين أمثالك.

عقيمة ثقافتنا وعقيم تاريخنا إن جحدنا عطاءاتك…

إغفر لنا يا سيدي غفر الله لك ولأمثالك ممن خدموا وطنهم بفنهم وعطائهم..

واغفر لهم في وزارة الثقافة وقرية عين الصفا ومدينة وجدة وإقليم وجدة أنجاد وجهة الشرق لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.

 

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email