أخبار
أخلاقنا رأسمالنا
الوطنية بريس
محمد الحمدوشي
يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم : ” وعباد الرحمان الذين يمشوم على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ” . الفرقان الآية\63 ،
وفي حديث رواه أبو داود و أحمد :
عن أمنا عائشة رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
” إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم . ” .
فحسن الخلق سر الجمال و السعادة و سبب في كمال الإيمان ، و تزكية النفس سبب في الفوز و الفلاح . و أصحاب الأخلاق الحسنة هم أهل الخير و البركة في الدنيا ، و سيكونون أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم :
” إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا … ” . و نحن المغاربة أخلاقنا هي تروثنا و رأسمالنا ، و هي خير ما سنورثه للأبناء و الأحفاد .
كل مغربي سفير
بالداخل كما بالخارج بأرض الوطن و بكل بقاع الدنيا كل مغربي هو سفير لبلده ، فنحن أحفاد حضارة عريقة و أحفاد إمبراطورية عظيمة ، و نحن أبناء دولة تتطلع للتقدم و الصدارة بين الأمم و أبناء شعب يطمح للإسهام في نهضة الشعوب و في بناء السلم و السلام .
المغرب بلد سياحي يفد إليه الزوار من كل أقطار الدنيا ، و بقدر ما تفتنهم طبيعة المغرب الخلابة و بقدر ما يبهرهم تراث المغرب و مآثره وبقدر يسحرهم المطبخ المغربي و طقوسه . يجمع الزوار على أن أجمل ما في المغرب هو الإنسان المغربي . فبالقرى كما بالحواضر ، بأعالي الجبال كما في تخوم الصحراء تجد كرم المغاربة يضاهي روعة مطبخهم و إبتسامتهم البهية تفوق جمال الطبيعة وترحيبهم الكبير ينبع من القلب كما تفوح الحقول و البساتين بالطيب و العبير .
و المغرب من الشعوب القليلة التي لها جالية بجل بلاد المعمور و حيثما حل المغربي و أينما أقام فهو فعلا سفير لبلده ( و بالخصوص المرأة المغربية الحرة الأبية ) فكما يحضر الطبخ المغربي يحضر اللباس التقليدي في كل المناسبات و الأعياد مع كؤوس ” أتاي ” و أهازيج الثرات و الموسيقى المغربية العريقة . و يبقى الكرم المغربي عابر للحدود و القارات و تبقى الشهامة تاج على رؤس المغاربة أينما حلوا و ارتحلوا و تبقى مكارم الأخلاق عطر المغاربة الذي يتعطرون به و يفوح شداه في الآفاق . فبأخلاقنا و قيمنا أحبنا العالم و بقيمنا و أخلاقنا يحبنا رب الأكوان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
” أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا ” . لذلك لنحرص كل الحرص على هذا الرأسمال الكبير و هذا الكنز النفيس و هذه الثروة التي لا تقدر بثمن ، لنحرص على أخلاقنا كحرصنا على أرواحنا و حدودنا .
يقول الشاعر احمد شوقي :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
نحن أهل كرم و محبة
هكذا كان المغاربة و هكذا يجب أن يظلوا ، قوم كرم و ضيافة و دعاة سلم و محبة . فعلى إمتداد قرون وقرون علمنا حكامنا و حكمائنا الحلم و الحكمة و علمنا علمائنا و شيوخنا الحياء و المحبة .
بهذا الإرث التاريخي و بهذه النعم و الخيرات و مع هذا الموقع الجيوستراتيجي ، طبيعي جدا أن يكون لنا خصوم و أعداء .
لكن لا ينبغي أن ننجر مع كل حقود لئيم أو حاسد حقير أو متعصب جهول ، فنقع في فخ النزول إلى مستواه في القبح و البشاعة و البؤس و التردي .
فماذا سنكسب من مواجهة حاقد حاسد و ماذا سنجني من مقارعة متعصب جاهل . سنكون نحن الخاسرين لا محالة ، و ستتأثر صورتنا و سمعتنا ، و ستكون لاقدر الله خسارة فادحة .
يقول الإمام الشافعي :
يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا
فهؤلاء الخصوم أو هؤلاء الأعداء كيفما كانوا و مهما كانوا ( غالبا ليسوا سوى شردمة لا تمثل سوى نفسها ، و لا تعبر سوى عن عجزها و قبحها ) لا ينبغي أن نسمح لهم أن يخرجونا عن رزانتنا و تعقلنا و عن حلمنا و حكمتنا . يقول الشاعر :
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه
و إن خليته كمدا يموت .
و لا ينبغي كذلك أن ننجر وراء أية سفاهة أو طيش ، فلا ينبغي أن نضيع الوقت للنظر في تفاهاتهم أو الإستماع إلى غيهم و بهتانهم ، و لننظر إلى العالم الكبير و الجميل الذي يحبنا و يحترمنا و يقدرنا . ولنتذكر أن أجمل ما في المغرب هو المواطن المغربي ، و لنبرهن للعالم أن جمالنا جمالان جمال جمال حسي و جمال معنوي ، جمال الروح و طيبوبة النفس وصفاء القلب و السريرة.
وصدق الشاعر إذ قال :
ليس الجمال بأثواب تزيننا
إن الجمال جمال العلم و الأدب .
فلا داعي للإنزعاج و القلق فطبيعي جدا أن يكون لنا خصوم و حساد لكن لنكثر الحمد و الشكر على نعم الله ، و حب العالم للمغرب و لأهل المغرب .
هذا هو المغرب
أرض الجمال و الأسرار ، أرض حباها الله بالخيرات و النعم ، هي منبث الأحرار و مشرق الأنوار ، هي أرض التاريخ و الحضارة و بلاد المسيرات و المنجزات . أرض الشرفاء الأحرار و مملكة الصلحاء و الأولياء ، هذه هي بلاد المغرب و هؤلاء هم أهل المغرب .
من زار أرض المغرب يهيم بها عشقا و يهيم بأهلها حبا و غراما .
ومن زار أرض المغرب يصبح لها سفيرا متجولا ، يحكي للدنيا بكل اللغات ، عن موطن السحر و الجمال و عن أرض الطيبة و الطيبوبة و عن موطن الكرم و الضيافة و حسن الإستقبال .
فطبيعي و عادي جدا أن تغار بعض النفوس فتنفث سموم الإشاعات و البهتان و تروج الأكاذيب و الإفتراءات .
حلم و حياء
الحلم ضبط للنفس و صبر على الأذى ، و الرسول صلى الله عليه و سلم أوصانا بالحلم في تعاملنا ، يقول صلى الله عليه و سلم : ” اللهم أغنني بالعلم ، و زيني بالحلم ، و أكرمني بالتقوى ، و جملني بالعافية “.
فالحلم سبيلنا للرقي و الإرتقاء و الترفع عن السفاسف ، تقول العرب ( من حلم ساد ) . فالحليم شخص واثق من نفسه منفتح على مجتمعه لا يدخل في صراعات مجانية و لا يقحم نفسه في نقاشات و مزايدات عقيمة فمن حلمه يستفيد و بحلمه يفيد .
و يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ” الحياء من الإيمان ” فالحياء يحمي صاحبه من الوقوع في المحرمات و إتيان المنكرات . و الحياء دليل صادق عن الأدب و الإيمان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” إن لكل دين خلق و خلق الإسلام الحياء ” فالحياء لا يأتي إلا بالخير فإن غاب فلن يحل محله سوى الخبث و الفحش و الوقاحة .
و لنكرر هذا الدعاء النبوي الشريف :
” اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي ” .
رأسمالنا أخلاقنا فلنتشبت بها و لنعض عليها . ولنقل لكل جاهل متطاول و لكل متشدق متفيهق : ” إذا لم تستح فاصنع ما شئت ” .
.يقول أحمد شوقي :
و إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما و عويلا .
و يستمر الإبداع و الإشعاع
من بطولة إلى بطولة ومن ملتقى إلى ملتقى و من محفل إلى محفل ، يستمر الإبداع المغربي و يستمر الإشعاع و يستمر التميز و التألق ، في الفكر و العلوم و في الرياضة و الفنون … لبوءات مغربيات و أسود مغاربة و أشبال حيثما شاركوا و أينما تنافسوا يحصدون القلوب و الألقاب .
و الجمهور المغربي حيثما حل و ارتحل يرسم أبهى الصور عن الحضارة و التحضر و يزرعون البهجة و الفرح .
ففي فعاليات كأس العالم بدولة قطر الشقيقة ازدادت محبة العالم للمغرب و ازداد عشقهم للشعب المغربي و لحضارته .
و اليوم بدولة ساحل العاج الشقيقة و في غمرة فعاليات كأس إفريقيا للأمم ، كما تألق أسود الأطلس في مضمار التنافس أبدع الجمهور المغربي الوافد من كل أقطار الدنيا و أفراد الجالية المغربية المقيمة بساحل العاج أبدعوا في رسم أروع ملاحم التضامن و الإخاء و أبهى صور الكرم و العطاء ، و كانوا خير سفراء . مثلوا بلدهم في أبهى صورة و نقلوا عن البلد المضيف أحلى صورة ، و زرعوا في هذه البطولة أجمل صور البهجة و المتعة و السرور .
فصناع المحتوى المغاربة اليوم بساحل العاج هم سفراء محبة و سلام و صناع حياة و فرح .
وتستمر الأخلاق
إن الإهتمام بتربية الأبناء و تنشئتهم من أعظم مهام الوالدين . فأخلاقنا أمانة من عند أجدادنا لننقلها إلى فلدات أكبادنا و أحفادنا ، و أخلاقنا هي رسالتنا في الحياة و رسالة ديننا .
فالأبناء هم مرآت الأباء ، و أولادنا هم استمرار و إزدهار لحضارتنا المغربية ، و إسهام في استمرار و إشعاع رسالتنا الإسلامية .
و في الختام لا بد أن نشير أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرإن ، و مسك الختام قوله عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” .