أخبار
الشباب ودوره في التنمية البشرية
الشباب ودوره في التنمية البشرية
الوطنية بريس حميد عسلاوي
الشباب فترة زمنية لها قيمتها ومكانتها في الحياة فهي باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله كما أن أطيب الثمار بواكيرها. والشباب مرحلة الفتوة والنضارة. الشباب هم رجال الغد، وآباء المستقبل، وعليهم مهمة تربية الأجيال القادمة، وإليهم تؤول قيادة الأمة في جميع مجالاتها. وفي صلاح الشباب صلاح للأمة، ومما لا شك فيه أن فترة الشباب هي مرحلة القوة والفتوة، ومرحلة الشباب مرحلة من مراحل العمر لم يكتمل نضجها بعد، فهي قابلة للتشكل والتغير، ومن هنا يتأتى دور الأسرة والمربين في توجيهها إلى الخير وبذل مزيد من التربية والرعاية والاهتمام.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن يعوده التدين أقربوه
وقد اهتم الإسلام بالشباب فجاء ذكرهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لبيان فضل هذه المرحلة وأهميتها ولفت الأنظار إليها، فيذكر ربنا -تبارك وتعالى في كتابه الكريم من قصص المرسلين والصالحين الأولين ما فيه هداية للبشر، قال تعالى : ” قد كانت لكم أسوة حسنة فِي إِبراهيم والذين معه ” والقدوة بهم في إيمانهم ودعوتهم وصبرهم، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: “ما بعث الله نبينا إلا شابا، ولا أوتى العلم عالم إلا وهو شاب”.
ومن حديث القرآن عن قصص الشباب التي تروي مآثر جليلة قصة الخليل إبراهيم -عليه السلام- يحكي ما قال قومه عنه: قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إِبراهيم قال ابن كثير: ” أي شابا “.
وفي القرآن سورة تتحدث عن قصة يوسف -عليه السلام وفيها من العبر والفوائد الشيء الكثير، وهو أحسن قدوة للشاب في العفة والطهر، وإيثار مرضاة الله، وإن ناله ما ناله في الدنيا من تعب وعناء. وفي سورة الكهف ذكر قصة الفتية في الزمان الأول: ” إِنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى “. وقصتهم فيها الاعتزاز بالدين، والدعوة إليه، والاستعانة بالله، ودعاؤه، واعتزال أهل الباطل عند العجز عن إصلاحهم، وغير ذلك، قال ابن كثير رحمه الله: “فذكر الله تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذي قد عتوا، وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً، وأما الشيوخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل . أما رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم فقد اشتد حرصه وتوجيهه للشباب، وظهرت عنايته الفائقة بهم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وشاب نشأ في طاعة الله”.
وفي تعليم الآداب الشرعية، يقول صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة: ” يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”. وقال لابن عباس -رضي الله عنهما: “يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك”. وقد كان أكثر حملة الإسلام الأوائل في أول زمن البعثة من الشباب؛ فهذا الصديق -رضي الله عنه- لم يتجاوز السابعة أو الثامنة والثلاثين. وهذا عمر رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين. وهذا عثمان رضي الله عنه- لم يتجاوز الرابعة والثلاثين. وعلي -رضي الله عنه- لم يكن تجاوز العاشرة. وكذلك بقية العشرة -رضي الله عنه- كانوا شبابا. وجماعة كثيرة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم كانوا شباباً، قام عليهم الدين، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم الله ونصرهم. وهذه صور من حال الشباب في العهد النبوي؛ فعن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن شبَبَة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحيماً رفيقاً، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألَنَا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: “ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم “. وفي رواية للبخاري: ” وصلوا كما رأيتموني أصلي “.
روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً، يقال لهم: القراء، قال: كانوا يكونون في المسجد، فإذا امسكوا انتحوا ناحية من المدينة فيتدارسون ويصلون، يحسبهم أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم، حتى إذا كانوا في وجه الصبح، استعذبوا من الماء واحتطبوا من الحطب، فجاؤوا به، فاسندوه إلى حجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبعثهم النبي -صلى الله عليه وسلم جميعاً، فأصيبوا، يوم بئر معونة، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم على قتلتهم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة ). وأسامة بن زيد -رضي الله عنه- شاب يشاوره النبي -صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، ويسلمه قادة الجيش الذاهب إلى الروم. وعتاب بن أسيد شاب يجعله أميراً على مكة. وعبد الله بن الزبير يقود الغلمان لمبايعة النبي -صلى الله عليه وسلم. وسفير الإسلام مصعب بن عمير يرسله داعية إلى أهل المدينة، فيسلم على يديه أكثر أهلها، ويدخل نور الإسلام كل بيت من بيوتها.
إن الشباب بالإسلام هو الخير والعطاء والبناء، وهو بغير الإسلام تعاسة وبلاء، وعلى الشاب المسلم أن يعرف دينه، ويتفقه فيه ويمثل الإسلام في سلوكه وعمله، ويكون على قناعة تامة به، ولا يلتفت لأقوال الحاقدين والمشككين، وليعلم الشباب أن دينه أفضل دين، وأن كل ما سواه فهو زور وباطل، فواجب الشباب المسلم أن يسخر ما أودعه الله من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين. وأن يعلم أن أمته هي خير أمة أخرجت للناس، وأن هذه الخيرية ثابتة لها ما دامت متمسكة بدينها، ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. و أن تكون همته بعد إصلاح نفسه إصلاح الآخرين، وتعبيد الناس لرب العالمين، وليحذر أن يكون داعية سوء، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. و أن يعرف ما لوطنه من الحق فهو بلد الإسلام الذي ولد فيه، وعلى أرضه نشأ، وأن عليه لولاة أمره الطاعة في المعروف، وليحذر أن يكون آلة يستخدمها الأعداء للإفساد في الوطن. و يكون دائماً الارتباط بالله -تعالى- من خلال أداء الصلاة في وقتها، وكثرة الذكر والدعاء، والاستعانة به في جميع الأمور، والتوكل عليه، والمحافظة على الأوراد والأذكار الشرعية. و أن يحذر من التقليد الأعمى الذي يفقده شخصيته وتميزه، وقد نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم عن التشبه بغير المسلمين، فقال: ((من تشبه بقوم فهو منهم). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين، فقال له: (( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)). و أن يحافظ على رجولته، ويتجنب كل ما من شأنه أن يضعفها من ميوعة وتكسر وتشبه بالنساء وغير ذلك، فقد جاء في الحديث الصحيح : (( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، والمتشبهات من النساءِ بِالرجالِ يقول الشاعر:
وما عَجب أنَّ النساءَ ترجلت ولكـنَّ تـأنيثَ الرجـالِ عجـابُ
و أن يصبر على مشقة فعل الطاعة، وترك المعصية، حتى تستقيم نفسه على ذلك، وتستلذ به، فإن الخيرة عادة. و أن يملأ فراغه بالمفيد والنافع، وأن يروح عن نفسه بالمباح، وأن يتجنب الحرام، فإن في الحلال غنية عن غيره، وعاقبة الحرام وخيمة، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: “اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك “. و أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة، حتى ولو كان ظاهرهاً الصلاح والإصلاح فلا يقبلوا فكرة أو منهجاً إلا بعد الرجوع للعلماء الراسخين، حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل.
وبالجملة فاختيار الصحبة الصالحة مطلب مهم، قال صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أَحدكم مَنْ يُخَالِلْ “. وقد قيل: الصاحب ساحب، والصاحب الفاسد يدل على الشر، ويمنع من الخير ويزين المعصية ويقود إليها. يقول عَبْد اللَّهِ بن مسْعُود -رضي الله عنه- قال: “كنا مع النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم شبابا لَا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا معشر الشبابِ منْ اسْتَطَاعَ الباءة فليتزوج؛ فإِنه أَغض للبصر، وأَحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإِنه له وجاء “. فهكذا يخاطب عليه الصلاة والسلام الشباب بالمبادرة بالزواج ومخاطبتهم بذلك الاسم وهم في مرحلة الشباب له دلالته الواضحة أن في الزواج حفظاً لهم من الحرام.
ثم إن بر الوالدين قربة وعبادة، والإحسان إليهما هو وظيفة الشاب المسلم، قال تعالى: ” وقضى ربك أَلا تعبدواْ إِلا إِياه وبِالوالِدين إِحسانا إِما يبلغن عندك الكبرَ أَحدهما أَو كلاهما فلا تقل لهما أُف ولا تنهرهما وقل لهما قولاكرِيما “.
وصلة الرحم بركة في الرزق، ومنسأة في الأثر، قال صلى الله عليه وسلم: “من سره أَن يبسطَ لهُ في رزقه أَو ينسأَ له في أَثره فليصل رحمه”.
والتحلي بخلق الصدق والوفاء والحلم وكظم الغيظ؛ فإن الغضب من الشيطان، وطلب معالي الأمور، ولتكن الهمة عالية، و لا يكون ذلك إلا بالتسلح بالعلم والأدب.
شباب قنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحينا
ومن تمام نعيم أهل الجنة أنهم يدخلون الجنة وهم شباب، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم ” أهل الجنة شباب مرد، كحل لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم”.
فما على الشباب إلا أن يدركوا أن هذه المرحلة هي أهم مرحلة تمر عليهم فإن اغتنموها أفلحوا في الدنيا والآخرة وإن ضيعوا ضاع عمرهم هباء منثورا.