أخبار

عيد العرش المجيد: دلالات تاريخية ومقاصد شرعية

Published

on

الوطنية بريس حميد عسلاوي

يعتبر العرش بالنسبة للشعب المغربي صمام أمنه ومجد حياته ومحقق آماله، ولذلك فإن الاحتفال بعيد العرش المجيد يعتبر فرصة للتعبير القوي عن العواطف الجياشة التي يكتنزها صدر كل مغربي اعتزازا بملكه سليل الدوحة النبوية، ومن دلائل الإنجاز على أرض الواقع، وحسن الطالع والإقبال أن عقدين من الزمان ويزيد كانت حافلة بالمنجزات وأعمال النماء والعطاء والتجديد، وقد برهن أبناء شعبنا الأبي في كثير من لقاءاته المباشرة مع ملكه عن التفافه حول العرش وتعلقه بأهدابه وتضامنه مع عاهله وعقد الأمل والرجاء فيما ينشده من تغيير وتجديد وإصلاح.

إن التجديد يبعث الأمل والمحرك القوي في تسريع عملية الإصلاح ودواليب التنمية في كل القطاعات الحيوية والمجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية القابلة للتجديد والتحديث. ويرمز إلى ذلك النهوض الاجتماعي المتواصل والتجديد المستمر الذي شهدته البلاد طيلة هذه السنوات المثمرة وكرس الأمن والرخاء والازدهار والنماء للشعب الذي يصبو إلى تحقيق طموحاته وبلوغ أمانيه.

ومن التجديد المنشود يجمع في طياته بين الأصالة والمعاصرة في صورة رائعة من التناغم بين ما ينتمي إلى الخصوصيات والهوية وما يدفع إلى الانفتاح والتطلع إلى آفاق المستقبل الواعد. ولا يخفى أن التوفيق بين الأصالة والمعاصرة أمر برع ملوك الدولة العلوية الشريفة في تأليفه ونسجه على شكل بديع يخلق اعتدالا ووسطية لا نظير لهما. ولا شك أن التوفيق بين التيارين قد غدا في وقتنا الراهن مطلبا ملحا وضروريا يهدف الدفع بالحياة إلى الأمام في حركة فعالة وهادفة ترمي إلى التجاوب مع متطلبات الحياة. ولا يخفى عن البال أن كل انغلاق على الذات من شأنه أن يؤدي إلى الجمود والتخلف عن ركب الحياة ويحول دون تفعيل عوامل التقدم والتطور والإصلاح والتحديث.

يقول جلالة الملك محمد السادس نصره الله في أول خطاب للعرش وجهه إلى شعبه الوفي :” إننا نطمح إلى أن يسير المغرب في عهدنا قدما على طريق التطور والحداثة، وينغمر في خضم الألفية الثالثة مسلحا بنظرة تتطلع لآفاق المستقبل في تعايش مع الغير وتفاهم مع الآخر محافظا على خصوصيته وهويته دون انكماش على الذات في أصالة متجددة وفي ظل معاصرة ملتزمة بقيمنا المقدسة”. انتهى قول جلالته.

إنها بحق رؤية توفيقية بين المهمتين اللتين تضطلع بهما إمارة المؤمنين : الدينية والدنيوية، وهي رؤية تتوخى من بدايتها الحفاظ على الثوابت ومقومات الأصالة والهوية كما ترمي إلى تكريس الانفتاح على الآفاق الخارجية والتطلع إلى التواصل والتعاون مع الآخر، إنها رؤية ناضجة ومسؤولية تستهدف تأهيل المغرب في الحاضر والمستقبل ليجدد هياكله ومؤسساته ويضطلع بدوره الفاعل والمؤثر في السياسة الدولية.

لقد شد جلالة الملك نصره الله قلوب القادة والمفكرين إليه بكل تقدير وإعجاب نظرا لما خصه الله تعالى به من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة ونظرا لما برهن عليه بقوة وعزم وإيمان من تحقيق واسع للأعمال البناءة والتوجيهات التجديدية الصائبة، ولا غرابة في كل ذلك فهو نفحة من نفحات والده المشمول بعفو الله ورحمته، وهو أيضا رمز للفتوة والشباب المعبر عن الطموح الدائم والعزيمة الصلبة التي لا تلين والحماس المتقد في النفس والفكر والضمير لبلوغ أسمى الغايات وتحقيق أنبل الأهداف والمنجزات.

والمتتبع لمجمل عطاءات ملكنا الشاب ومنجزاته في كل الميادين يجدها قد اصطبغت بصيغة التجديد والتحديث التي أمست طابعا مميزا لسياسة جلالته الحكيمة وشعارا بارزا لمسيرته الإصلاحية.

وانطلاقا من هذه الأهداف وغيرها التي رسمها جلالته منذ توليه عرش أسلافه فقد كرّس – حفظه الله- جهوده لخدمة تلك الغايات وواصل اهتماماته الكبيرة ومنجزاته البناءة في مختلف الواجهات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وقد طبع كل ذلك بطابع التجديد والتحديث والعمل على التقويم والإصلاح.

ففي ميدان التعليم تم اعتماد ميثاق التربية والتكوين الخاص بإصلاح مختلف مستويات التعليم ببلادنا وتحديد هياكل مؤسساته إيمانا بأهمية ذلك في إعداد الأجيال المقبلة من أبناء الوطن. وفي ميدان حقوق الإنسان، تم تحديد تعويضات ضحايا الاختفاء والاعتقادات التعسفية، واتسعت دائرة حرية التعبير فلم تعد لها حدودا تقيدها. وفي المجال الاجتماعي اضطلع جلالته باهتمام منقطع النظير بالفئات المحرومة والشرائح الاجتماعية المعوزة، وقد عرف جلالته قبل توليه عرش أسلافه المنعمين باعتنائه الفائق ورعايته الشاملة للفقراء والمحتاجين بهدف التخفيف عنهم من حدة الفقر وثقل الحاجة. ثم واصل نفس الاهتمام والرعاية فعمل على تفعيل وتحريك دواليب مؤسسة محمد الخامس للتضامن التي أنشأها والده المنعم، وهي المؤسسة التي أضحى عملها يطال كل الميادين التي يتضرر في إطارها الفقراء والمحتاجون فضلا عن إغاثة المنكوبين ومساعدة المعوقين الذين أصبحوا متعلقين بجلالته من عناية خاصة يوليها لهم باستمرار من خلال تفقد أحوالهم – بصورة فعلية –في الخيريات والمراكز التأهيلية. ولو أردنا تتبع الإنجازات الكبرى كإصلاح الشأن الديني الذي امتدت جذوره عبر مؤسسة محمد السادس حتى بلغت مغاوير إفريقيا بإنشاء مساجد ومعاهد ومؤسسات ترعى تدبير الشأن الديني في إطار الثوابت التي أجمع عليها علماء المغرب تحت إمرة أمير المؤمنين لطال بنا الكلام. فهذه نماذج معدودة من طموحات عاهلنا المفدى التجديدية التي يصبو من خلالها إلى تحقيق أماني الشعب المغربي التّواق إلى نهضة واسعة وتنمية شاملة وحياة رغيدة. وبفضل هذا الاهتمام المتبادل بين الراعي والرعية كان هناك حب صادق متبادل ينم عن شدة التعلق ومتانة الروابط وقوة الوشائج والأواصر التي يعتبر نسجها امتدادا لعهود سحيقة من التلاحم بين الشعب والعرش وتجديدا مستمرا للعهد المعهود والميثاق الوثيق والالتزام والملزم الذي قطعه سيد البلاد الشاب على نفسه منذ أن تسلّم مقاليد الحكم.

لقد حمل جلالته مشعل التجديد بإيمان ويقين وصبر وثبات وحزم وتبصر ومكّن عهده المبارك من تحقيق نهضة شاملة وتجديد كبير طال كل الميادين وشمل كل المجالات فاستطاع بذلك تحقيق الأماني والآمال وبلوغ المطامح والغايات المرسومة، كل ذلك بفضل المزاوجة والمراوحة بين أصالة متجذرة في تاريخ البلد الإسلامي العريق ومعاصرة متزنة تفتح آفاق المستقبل وتعد بالخير والفضل العميم.

من جهة أخرى لا ننسى ما أعلن عنه جلالته مرارا من تطلع كبير إلى تقعيد قواعد الحوار الحضاري وتكريس أسس التفاهم والتعاون بين المغرب وغيره من الدول العربية والغربية على السواء وذلك وفق رؤية تجديدية تنسجم مع المتغيرات الدولية الراهنة وتتناغم مع المستجدات الاستراتيجية، فكان بذلك جلالته سائرا على درب والده المنعم الذي كان رحمه الله أبرز القادة في العالم إن لم نقل أوحد حكام عصره في تحمل عبء تفعيل وفتح أبواب الحوار مع الغرب والتشجيع على اقتحامها وارتيادها.

Advertisement

فسعى جلالته إلى تفعيل ما يطلق عليه بحوار الحضارات وتلاقحها لا صراع الحضارات وتنافرها. وهذا المنهج يدعو إلى ضرورة احترام الآخر وتفعيل أسس السلام العالمي والحوار الحضاري.

وهذه إذن جملة من المجالات التي قام عاهلنا المفدى بتجديد النظر فيها وبعث روح جديدة في رسم معالمها وتحديد آفاقها. ويعتبر الاحتفال بذكرى جلوس جلالته حفظه الله على عرش أسلافه المنعّمين محطة بارزة للتأمل أن يحقق لبلده وشعبه خلال هذه الفترة الزمنية المباركة.

وعليه فلا غرو وفي ذلك فإن ذكرى هذا العيد الوطني السعيد ترمز في مقدمة ما ترمز إليه من معان ودلالات إلى تلك الرابطة القوية والآصرة الدينية المتماسكة التي تجمع بين الملك والشعب بميثاق البيعة الشرعية والولاء الديني الذي يستوجب الطاعة والإخلاص والوفاء بالعهد عملا بقوله تعالى ((ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما)).

إن العرش العلوي المجيد الذي يعتليه اليوم ملكنا أدام الله نصره يعتبر شعارا بارزا لمسيرة الاستمرار والتحدي والصمود وهو رمز لمعارك التحرر والتشييد والعطاء من أجل خدمة مصالح البلاد والرعية وبعث روح التجديد والتحديث والإصلاح في مختلف الميادين وعلى مستوى كافة المجالات.

إنه من جهة أخرى رمز للريادة الحكيمة والقيادة الرشيدة والنظرة الواعية المتبصرة التي طبعت عهد الملك محمد السادس حفظه الله الذي هو عهد الوفاء والإخلاص والتضحية مما ضمن لهذا البلد الآمن عوامل الرخاء والاطمئنان والاستقرار التي وعد الله بها عباده الصالحين العاملين.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأخبار الشائعة

Exit mobile version