أخبار
صناعة الشباب ودوره في النهوض بالمجتمع
الدكتور حسن الجامعي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد، فإن صناعة الرجال طموح وحلم الصالحين والمصلحين: إعدادا وصناعة ، فبهم تُبْنَى الدّول وتُحفظ الحُرُمات وتتقدّم الشعوب، وما التاريخ إلا سيرة الرجال العظماء. وهذه الذخائر البشرية هي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها، ولا يعرف محلها والدول التي تضيع هذه الطاقة البشرية لا تستطيع النهوض باقتصادها ونموها. و قد روى الإمام الحاكم في المستدركِ، كتاب معرفة الصحابة -رضي الله عنهم-، ذكر مناقب سالم مولى أبي حذيفة، وهو حديث صحيح، وفيه: أَنَّ أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب قَالَ لأَصْحَابِهِ يَومًا: «تَمَنَّوْا»، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ، وَقَالَ رَجُلُ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ زَبَرْجَدًا وَجَوْهَرًا فَأُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: «تَمَنَّوْا» فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فأطوف بهم الديار فأُعْلِيَ بهم كلمة الله في الآفاق. هذه أمنية عظيمة وهمة كبيرة تبين لنا بجلاء قيمة الطاقة والثروة البشرية. ولقد انتصر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يوم صاغ من فكرة الإسلام شخوصا، وحول إيمانهم بالإسلام عملا، وطبع من المصحف عشراتٍ من النسخ ثم مئاتٍ وألوفاً، ولكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورِق، إنما طبعها بالنور على صحائف القلوب، وأطلقها تعامل الناس وتأخذ منهم وتعطي، وتقول بالفعل والعمل ما هو الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من عند الله. فقد برمج خطة عمل ربانية المنهج، فبنى أعمدة المجتمع الذي يرقى نحو العلياء، وتنتشر بذلك تعاليم الإسلام التي سادت الدنيا بأسرها. ونحن اليوم في زمن بتنا نسمع عن أحلام وآمال الناس حول المخلّص والبطل الذي سيُنقِذ الأمة من آلامها ويعيد لها ريادتها، في هذا الزمن كان لا يد من وقفات مع كيفية إعداد الرجال، و الناظر في واقع أمتنا اليوم يراها أحوج ما تكون إلى رجال يحملون المشعل ويخوضون عباب بحر الحياة التي لا تقبل خائر الهمة ضعيف العزم.
وعلى هذا الدرب السوي وبمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية أشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إشارة واضحة لانطلاق مرحلة جديدة قوامها التركيز على الشباب عمادا للمستقبل ومفتاحا لتنمية مستدامة في توجيه ملكي مدروس في توقيته ومضامينه، لإحداث قفزة نوعية وقطعا مع التعقيدات البيروقراطية، فدعا إلى مواجهة التحديات ذات الأولوية من خلال تفعيل الإصلاحات، ومتابعة القرارات، وتنفيذ المشاريع، للنهوض ببلدنا والرقي به إلى مصاف الدول المتقدمة، فجاء ذلك خلال كلمته أمام مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، كما دعا الطبقة السياسية إلى التعامل مع السنة التشريعية من منظور المرحلة الجديدة، التي تم رسم معالمها وتحديد خطوطها العريضة في خطاب العرش الأخير.
وشدد جلالته على ضرورة الوصول إلى نتائج لها أثار إيجابية على حياة المواطنين، وتقليص الفوارق الاجتماعية، وحث الجميع على تحمّل مسؤولياتهم، مشيرا إلى أن الحكومة، التي تخضع الإدارة لسلطتها، يجب عليها أن تسهر على التنفيذ الفعال للقرارات، من خلال توظيف كل الوسائل اللازمة لذلك، لا سيما المعطيات الإحصائية، والآليات المتعلقة بالتفتيش والمراقبة.
وأضاف أن الالتزام الطموح للمغرب، يتم بتحقيق التنمية والرخاء المشترك، ويجعل من مساهمة اثنين من الفاعلين الرئيسيين ضرورية ومؤكدة :متمثلة في القطاع الخاص، فيما يتعلق بمسألة التمويل، ومنظمات المجتمع المدني المسئولة، مشيرًا إلى أن الفاعلين الرئيسيين في المجتمع الحديث، هما حليفان ومكملان للعمل التنفيذي والتشريعي.
وفي خضم هذه الترتيبات لفت إلى الإعلان عن برنامج خاص لدعم الخريجين الشباب وتمويل مشاريع التشغيل الذاتي، مشددا على الدور الرئيسي المنتظر من القطاع البنكي من أجل ( المزيد من الالتزام، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية المستدامة التي يعيشها المغرب).
كما أعرب عن ارتياحه لتوفر المغرب على قطاع بنكي قوي معروف بالدينامية والمهنية، يخضع لمراقبة مضبوطة تختص بها هيئات وطنية مستقلة، ذات كفاءة عالية، وهو ما جعل هذا القطاع قادرا على دعم تطور ومرونة الاقتصاد الوطني، كما تعززت قوة مكانة البنوك المغربية دوليا، ولاسيما في إفريقيا حيث انفتح المغرب على القارة السمراء، سياسيا واقتصاديا، ودبلوماسيا، وثقافيا.
وتابع: ( لا يزال القطاع البنكي يعطي انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، وكأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون )، داعيًا إلى تغيير بعض العقليات في القطاع البنكي، لتعزيز وتوسيع قدرة الحصول على القروض البنكية، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، لاسيما العاملة في مجال التصدير.
إن الشباب هم دعامة المجتمع وأساس تطوره ونهضته، والدول التي نهضت من كبوتها الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية، أولت هذه الفئة عناية خاصة، فنقلتهم من الانغلاق على الذات والاهتمام بالملذات والركون إلى الشهوات، إلى الانفتاح الفكري، وتطوير المهارات، وتسديد الآراء فكانوا بذلك حماة لأوطانهم، ليوثا في الدفاع عن قضاياهم الوطنية والمصيرية. وقد توالت الكتابات في هذا الشأن تستنهض همم الشباب وتدعوهم إلى نزع ثوب الخمول والاستكانة، والتسربل بثياب الكرامة والهمة العالية فأكدت على ضرورة إيجاد شباب منتج ومُمَكن اقتصاديا يساهم في تنمية مجتمعه، يتمتع بروح القيادة من خلال المشاركة الكاملة وتحمل المسؤولية في المجتمع، وذلك من خلال برنامج نهضوي يخضع لمهارات ذاتية، وتصميم برامج للتعليم العالي بما يتماشى مع احتياجات السوق.
وختاما لا نهوض لأمة لم يفهم شبابها مهمته في الحياة، وهو بتعلمه العصري لم يزدد إلا حبا في الخمول، وشغفا بالانعزال، فهو لا يعمل حتى لنفسه كإنسان حي متمدن، عليه واجبات وله حقوق، فإن ثقافته- أو بالأصح تعليمه- يقف عند الحد الذي غادر فيه المدرسة، فلا تكاد تجد زمرة منه يشغل باله بفكرة علمية، أو شغف فني، أو محاولة مستقلة ناجحة في ميادين الاقتصاد. بل الأغرب من هذا أن أغلبه لم يتذوق حتى المطالعة في كتب المتعة واللذة من روايات وقصص تحفل بها الخزانات المنتشرة التي علاها الغبار، وقاست من الهجر. فدور الجهات المعنية لصياغة عقلية الشباب سواء كانت رسمية أو غير رسمية كالمجتمع المدني بكل أطيافه يتمثل في القيام بواجباته خير قيام لننتج جيلا كجيل الأستاذ علال الفاسي، والعلامة المختار السوسي، والمفكر محمد الكتاني، والمفسر الأديب المكي الناصري.