محمد أبرباش
(1 من 2)
لابد من الإعلان ابتداءً أن حاجتنا للرعاية الربانية ـ حاجةِ البشرية جميعا ـ في هذا الزمن الذي اغتر الناس فيه بالعلم كما هو مشاهد. أجل نحن في حاجة دوما لرحمة الله ولطفه. ذلك بأن الوباء موجه للإنسان وليس للمشركين فحسب. ومنذ ما يزيد على أربعةَ عشر قرنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاحتياط والاحتراز ليُعلَم أن العزل أو الحَجر الصحي قديم جدا. ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجرائه بين مسلم وغيره لأن الابتلاء عبرة وليس عقابا فقط. بل هو ابتلاء ودعوة للتأمل في الآن نفسه. وهو آية من آيات الله عز وجل. وهناك تصوراتٌ لدى بعض المتطرفين في العالم تدعو إلى استعمال الحرب الجرثومية لإبادة الأعداء حسب نظرتهم. كما أن هناك تصوراتٍ أُخَرَ تجابَه بالواقع وترجع عن غيها. ومثل هؤلاء يحسن بنا أن نساعدهم على اكتشاف عدل الإسلام وأخلاقياته الحسنة. من أجل ذلك كان لابد من بيان عظمة هذا الدين وحقيقته وفضله على باقي المعتقدات. هنالك حيث يظهر في أطاريحه أن الإنسان بشكل عام ـ بما فيه الصالح ـ معرض للابتلاء كما يقول الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة). (سورة الأنفال. الآية 25).
فلقد بلغ الغرب الأوروبي والأمريكي أَوْجاً في كثير من المجالات العلمية والمعرفية والفنية. ونحن نحترم التقدم العلمي ـ ولا شك ـ لكن الطابع المادي غير كاف. بما أن الإنسان طبعا جسم وعقل وروح وعاطفة ووجدان، ولكل جزء تربيته وتغذيته إذا جاز أن نقول. إذ لا بد من النفحة الروحية والصلة بالله. وإلا فإن المخزون النووي وأسلحة الدمار الشامل تهدد الإنسانية جمعاء إذا أسيء توظيفها ـ وقد أسيء توظيفها ـ كما هو ملاحظ!
ويجمل أن نعرض عليهم وحدة الإنسان وقيمته وكرامته. وكيف أننا لم نخلق مصادفة، بل هي صناعة الله حيث المزاوجة بين المادة والروح بطريقة جمالية.
كما ينبغي أن نبين لهم أن كل شيء يقع في هذا الكون لا يعزب عن قدر الله ومن ثم لا يمكن أن تغيب عن علم الله الجوائح والأوبئة والبراكين والزلازل والأعاصير (…).
وبالجملة إن لدينا قيما كثيرة ينبغي عرضها على الناس ـ كل الناس ـ مما يجلي أن قيمة الإحسان من أجلِّ هاته القيم الأخلاقية عندنا بحمد الله.
من أجل ذلك وجب علينا أن نسعى مجتمعين لبناء الإنسان قصد مواجهة كل التحديات. فنحن بحاجة إلى تربية شمولية تعتمد العلم والقيم الأخلاقية والطاقات الروحية. لأن المجتمعات المحصنة بالقيم الأخلاقية قد تحاصر مثل هذه الأوبئة والطواعين بسرعة فائقة وذلك بواسطة تعبئة اقتصادية واجتماعية، وروح إنسانية تكافلية وتضامنية، لا تفرق بين إنسان وإنسان يمتطي سفينة الحياة و نثمن في هذا السياق كل مبادرات الدولة المغربية والمجتمع المغربي/الأنموذج المغربي بشكل عام الذي رغم كل الملاحظات فإنه أبان عن قدرات استباقية وقرارات شجاعة قللت بشكل كبير تداعيات الآفة وحاصرتها بطرق علمية وإجراءات واقعية تصدر فيها أطر الصحة ورجال الأمن الواجهة بكل إيمان وتفان ومسؤولية، إضافة إلى كل الساهرين على تلبية حاجيات المجتمع اللامتناهية في جل الإدارات وقطاعات الخدمات (…) لذا يحسن بنا البناء على جميع هذه المكتسبات فضلا عن تكريم أهل الفضل وتشجيع البحث العلمي وتحفيز العلماء والخبراء والمتخصصين وتقدير إنتاجاتهم وإعادة النظر في وضعيتهم المادية والاعتبارية سواء في الدولة أم في المجتمع باعتبارهم من الكبراء والعظماء وعلية القوم والتعاون على كافة المستويات والسعي لرقي الإنسان للوصول إلى بر الأمن والأمان والسلامة والإيمان والإحسان.

(2 من 2)
في هذا الزمن العصيب تجبر الحاكم العالمي بأمره، وادعى الألوهية من جديد، وقدس الشعارات المادية المنفعية الميكيافيلية، ونشر فلسفته القائمة على الاستهلاك مما أدى إلى تدمير الطبيعة. هنالك حيث فُقد التوازن البيئي والأخلاقي بما كسبت أيدي الناس. لينتهي الأمر في عهد ما بعد العولمة إلى عملية تدمير الآخر بدل الأخوة الإنسانية والعيش المشترك، كما هو متجدر في ديننا؛ ورضي الله تعالى عن الإمام علي وكرم وجهه حين قال: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين وإما صنو لك في الخلق”. وبتعبيرنا المعاصر أخ لك في الإنسانية. وقبل ذلك وبعده قال الله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون). (سورة آل عمران. الآية 59). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: “كلم لآدم وآدم من تراب”. في حين لم تعد للإنسان قيمة سوى ما ينتج. وعندما يعجز عن الإنتاج يرمى في دار العجزة و لن تغنيه الرعاية المادية عن دفئ العائلة و لمة الأحباب …. هل هذا أنموذج يحتذى حتى نتبع فيه الغير؟!
لقد دمرت العواطف ودخلنا مرحلة تقديس الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات في اتجاه واحد ووحيد لأننا مجرد أسواق للبضائع المادية واللاأخلاقية و أسواقنا من أنشط الأسواق على مستوى الاستهلاك غير المعقلن و غير الخاضع لحاجيات الإنسان الحقيقية و غير ابه بخلفية المصنع و غير متأمل لمنطق السيادة و الرغبة في الاستقلال الاقتصادي او على الأقل التوازن بين الصادرات و الواردات و المنافسة في البحث و التصنيع و التوزيع و لعل التجربة الصينية رائدة على هذا المستوى ، و غني عن البيان ان لدينا كثير من المقومات لتجاوز هذا الوضع مؤمنين أن التحول التاريخي وارد جدا وفق قانون الحضارات شريطة بداية تغيير كلي في تصوراتنا و أولوياتنا،تغير ثقافي يستدعي بالضرورة تطورا على كافة مناحي الحياة …
و هذا التغيير المنشود هو القمين بتجاوز منطق القوة والتحكم والامتلاك. ولقد فشل الكثير منا حين أراد الرد من دون علم إذ تكلم الرويبضة التافه في شأن العامة.
وعلى هذا الأساس فإنه لابد من بناء أنموذج في التنمية والتزكية جديد قوامه الإنسان الأخلاقي ضدا على العقلانية المادية المنفصلة عن القيم التي يجدر تطبيقها من لدن الجميع على الجميع كما جاء في سورة الرحمن: (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان). (سورة الرحمن. الآية 9). فالحق والعدل ينبغي أن ينفذا على القريب والبعيد والصديق والعدو لأن الله تعالى يقول: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) (سورة المائدة. الآية 8).
ومن الملحوظ الآن – كما قال الدكتور أحمد البوكيلي- ..عودة الصحوة الروحية لجميع الديانات أي العودة للطاقة الإيمانية الموجودة في الفطرة الإنسانية وليس فقط في الرقعة الجغرافية الإسلامية تحت شعار الكلمة السواء: (قل يأهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). (سورة آل عمران. الآية 64).
لذا علينا أن نهتبل الفرصة السانحة التي يتعرض فيها العالم برمته لهذه الجائحة التي لم تميز بين الأجناس والشعوب من أجل تجاوز فلسفة الصراع إلى التفاهم والحوار، ومصالحة الإنسان مع الطبيعة و العلم المادي مع التربية الروحية
ونحن هنا لا نقصد بالروحانيات عالم الأساطير والخرافات طبعا، إنما القصد إعادة الاعتبار لحوار الأديان على قاعدة الإيمان بالله عز وجل والإحسان إلى الخلق وعدم قبول الضيم والحيف من أي مصدر صدر ورفض الكيل بمكاييل عديدة والانحياز إلى شعب دون شعب أو قارة دون قارة أو أمة دون أمة فالناس سواسية كأسنان المشط؛ أو هذا ما ينبغي أن يكون.
ولنا أن نقول بملء أفواهنا: كفى من العبثية الوجودية، ليكون بمقدورنا أن نرتقي في مقاماتنا الخلقية حتى لا تقتل الإنسان الذي كرمه الله إما جهلا أو حقدا أو صمتا…
أجل من حقنا أن نحلم بغد أفضل للبشرية جمعاء وبناء حضارة المحبة والتضامن والقيم الكونية والروحانية الخالدة لتأسيس المجتمع الإنساني كما يدعو إليه كتاب الله الخالد
و في الختام أقول حتما ستنتهي كورونا فهل سنتهي معها كل الافات السلبية التي تحدثنا عنها؟
هل سنتخلص من جراثيم فاسدة تدمر روحانية علاقاتنا، وتذيب نكهة الإحساس كما جاء على لسان الدكتورة مريم ايت أحمد ؟
و هل سنعيد النظر في مخططاتنا و أولوياتنا؟ أم أن الدرس سيركز على ما هو تقني و شكلي و يغيب كل المضامين المنتجة للحضارة المتقدمة ؟أسئلة ستبقى مفتوحة للمستقبل الذي نتفاءل أن يحمل إلينا الوعي الجماعي و الكرامة و التطور و التجديد ..

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email