الوطنية بريس حميد عسلاوي

وبعد، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الوحدة الوطنية في بلادنا ، والتماسك الاجتماعي القائم على الحرية، والتضامن الشعبي، والالتفاف والتمسك بالعرش العلوي المجيد، من مقومات الاستقرار والأمن والأمان الذي تعرفه بلادنا، والتمازج والتساكن والتسامح كل ذلك من القيم العليا، هو المسار الفعلي والجهد والعمل الوطني لتحقيق التحولات العميقة في مختلف الميادين في السياسة والاقتصاد ، والإدارة والاجتماع والثقافة ، وفي بناء الدولة المدنية الحديثة ، الصائرة والمتحولة إلى موقع لإطلاق أسباب التنمية ، والتقدم والعمل الوحدوي العربي .
فالوحدة الوطنية في المغرب تحققت بفضل الله أولا، ثم بقوة التاريخ والحضارة والموقع الجيوسياسي ، وبقوة الانصهار في بوثقة التآخي والتآلف . فليس هناك في تاريخ الشعوب وحاضرها ، وفي الواقع الموضوعي من إمكانية لبناء وحدة وطنية يمكن لها أن تطلق مشروع العمل الوطني القائم على السمع والطاعة لولي الأمر ، في غياب الإحساس بالمسؤولية وعدم التفاني وإنكار الذات، وتحقيق العمل الجماعي، لذلك فإن حل المسألة الديمقراطية يشكل العامل الأبرز في إحداث التحول الاجتماعي والسياسي لإعادة إنتاج هذه ” الوحدة ” بآليات جديدة ، ومعايير مدنية ،
ومع هذه التحولات العالمية ، والاحتياجات المجتمعية والوطنية الداخلية ، تبرز الأهمية الثانية ، والمرتبطة بالأولى وبغيرها من المعايير ، في ضرورة تكوين جيل يتفاعل مع المتغيرات دون ذوبان يفقد الإحساس بالوحدة الوطنية، أو بالأحرى مساواة كافة المواطنين على اختلاف مواقعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أمام القانون الذي يكفل سيادته استقلال السلطة التشريعية وحيادها ، ونزاهة العاملين فيها، فالمؤسسة في المجتمع المدني الحديث والمعاصر حقيقة اجتماعية موضوعية مستقلة تماما ً بلوائحها الداخلية ووظيفتها الاجتماعية وآليات عملها ، عن رغبة القائمين عليها ، حتى لا يتم استنزاف الطاقات الاقتصادية لبلادنا ، وتباد منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع إضافة إلى إسهامها المباشر في إقصاء مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
وفقاً لهذا المنظور , تنبثق أهمية المعيار البارز والهام للوحدة الوطنية , والذي يتمثل في إطلاق مشروع المجتمع في التنمية البشرية والاقتصادية التي ترتكز على مجموعة من الأسس الموضوعية ،يمكن أن نجملها فيما يلي :
1 الاهتمام , بدرجة أولى , بتطوير وتوسيع نطاق مؤسسات التعليم العالي والجامعي , ونشر الوعي الثقافي والإعلامي , وإطلاق حرية التعبير والصحافة الهادفة البانية القائمة على النقد المنطقي لا على ترويج الأكاذيب, وخلق المناخ الديمقراطي في مواقع التعليم والبحث العلمي المختلفة لفسح المجال أمام مقومات الإبداع وإسهام أصحاب القرار في إعادة إنتاج المجتمع المدني المعاصر الذي يمتلك كافة أسباب التقدم العلمي والتقني والحضاري , خلاصاً من أسر قيود التخلف التي تكبل انطلاقته ونزوعه لمواكبة الأمم والشعوب المتقدمة .
2 العمل بكافة الوسائل والأساليب المتاحة على رفع وتيرة الإنتاج والنمو الاقتصادي, وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بما يتوافق مع تسريع وتائر النمو , وتحقيق احتياجات المجتمع لمكافحة البطالة المتفشية في بلادنا بصورة تدعو لضرورة العمل على إنقاذ المجتمع من تداعياته الكارثية إضافة لتحسين مستوى المعيشة.
3 الالتفاف على جوهر الاصلاح وأبعاده المتعددة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وتطوير المناهج التعليمية.و ثمة ملاحظة أخرى ,تنبثق من الوعي بمفهوم السياسة أصلاً , ففي الواقع لا يجوز بحال اعتبار أن مؤسسة الدولة هي الموطن الوحيد للسياسة , لأن الموطن الحقيقي لها هو في ضمير المجتمع وفي المواقع أو المؤسسات التي يقوم بإعادة إنتاجها وتجديدها هذا المجتمع وفقا للأسس التي تؤكد سيادته واستقلاله , وأبرز هذه المؤسسات , مؤسسة الدولة بسلطاتها الثلاث ومهامها المتعددة , ومن هنا فإن أمر الإصلاح السياسي وما يرتبط به من تحديث لمختلف القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة أيضاً مرتبط بحضور الإرادة الشعبية في مركز القرار السياسي في البلاد , ومن هنا أيضاً تنبثق إرادة الفاعلين في المجتمع المدني للتنسيق فيما بين الفعاليات المعنية وكافة القوى والأحزاب السياسية والشرائح الاجتماعية بمختلف أطيافها السياسية والثقافية والمهنية للبحث في الكيفية التي يمكن من خلالها إدخال الإصلاح إلى السياسة الداخلية.
لذا فالوحدة الوطنية خط أحمر يجب ألا يتخطاه أحد مهما كانت الدوافع والأهداف، وهي صمام الأمان باعتبار أن استقرار المجتمع وأمنه هما السبيل الوحيد لتحقيق التنمية الاقتصادية والتقدم والرقي في جميع المجالات.
كما أن فترة الغزو الغاشم الذي شهدته أقاليمنا الجنوبية لا تزال حاضرة في أذهان المغاربة حيث اختلطت دماؤهم من كل الأطياف للدفاع عن البقاع الغالية، حيث ضربوا أروع الأمثلة في حب الوطن عندما واجهوا الغزو بكل شجاعة وبطولة أذهلت العالم أجمع، مستذكرين أيضا دماء الشهداء الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الوطن.
من ثم، فإن الهيئة الوطنية لمغاربة العالم، رئيسا وأعضاء داخل الوطن وخارجه ومتعاطفين يصرون ويوصون ببذل الكثير من الجهد والعمل الدؤوب لوأد خطاب الكراهية ومواجهة محاولات المساس بالوحدة الوطنية، خاصة المواقف التي وقفتها ولا زالت تقفها دولة جنوب إفريقيا التي تسعى منذ سنة 2004 إلى المساس بالوحدة الترابية وتشتغل ضمن أجندات غير شرعية وغير معترف بها دوليا أو إفريقيا أو إقليميا، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تقسيم المجتمع إلى فئات وطوائف من أجل أغراض سياسية أو انتخابية، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة أمير المؤمنين في خطاباته السامية ، لاسيما وأن بلدنا المغرب عاش قرونا في ظل وحدة مجتمعية كانت نموذجا في الاصطفاف الوطني. وأن نكون يدا واحدة في نبذ الطائفية والقبلية والفئوية وجميع أشكال العنصرية، للحفاظ على النسيج الوطني والاجتماعي واللحمة الوطنية لمواجهة الظروف والمتغيرات الإقليمية، وخاصة بعدما قطع بلدنا المغرب أشواطا طويلة وعريضة في التنمية المستدامة على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email