الوطنية بريس حميد عسلاوي

يُعدُّ التعليم أهمَّ أعمدة بناء الأُمم على الإطلاق، فبه تنهض وتسود ويستقر المُجتمع، هو جوهر التنمية الشاملة المستدامة وعمادها، فهو من يبني الإنسان القادر على الإسهام في بناء الوطن، فالتعليم عماد الحضارة منذ بداية الخليقة، ولا تقوم حضارة دولة بدُونِ العِلم والتعليم، والتعليم يؤدِّي إلى اكتساب الإنسان مهارات ومعلومات تجعله فردًا مُنتجًا يُسهم في تطوير مُجتمعه. لذا فإنَّ الحرص على تطويره وعَدِّه حقًّا لكافَّة أبناء الوطن، فقيرهم وغنيهم، هو مفتاح النهوض والترقِّي، وتحرص الدوَل السَّاعية إلى التقدُّم على بناء منظومة تعليمية قادرة على استيعاب التطوُّر المستمر، ومواكبة أحدث البرامج بالعالم؛ للحصول على نتائج علمية تتميز بالإبداع والابتكار، تستطيع إيجاد حلول تُسهم في بناء صروح المستقبل في كُلِّ القِطاعات. فالتعليم يهبُ صاحبه ومُجتمعه عددًا من المزايا الذاتية والمعرفية التي تُميِّزه في مختلف أنشطته وعلى مسار عمره، وستظلُّ المعرفة من أهمِّ المصادر التي لا تنضب، لذلك تبدو مواكبة كُلِّ جديد فيها عادةً حسنة وميزة حقيقية تُشكِّل فارقًا ملموسًا مع مرور الوقت، وتعمل كافَّة الدوَل على تطويره بشكلٍ يواكب التحدِّيات العالمية المطلوب معالجتها.
ومن أجْل إيجاد حلول ناجعة للتحدِّيات العالمية والمحلية داخل المُجتمع ذاته عَبْرَ تنمية حسِّ الابتكار لدى أبناء الوطن، يجب أولًا مواجهة ومعالجة التحدِّيات الكبرى التي باتت تواجه العملية التعليمية، والسَّعي الدؤوب إلى توفير البيئة والمناخ السَّليم؛ لزيادة فُرص التحصيل التعليمي، والعمل على تسليح أبنائنا الطلاب بكُلِّ ما هو جديد، سواء كانت مناهج أو أدوات تعليمية متطوِّرة، تحقق قِيمة مضافة إلى العملية التعليمية. ولذا ينبغي على الدولة أن تسعى إلى تطوير منظومتها التعليمية؛ لِمَا لها من دَوْرٍ في تنمية الفرد والمُجتمع ككُلٍّ، وتعمل وفق منظومة تحرص على مواجهة كافَّة التحدِّيات، سواء كانت كبرى أو صغرى، وذلك عَبْرَ مناقشة جميع الحلول الممكِنة، والسَّعي الدؤوب لمواجهتها، وذلك لِتكُونَ البيئة التعليمية بالمغرب مواتية؛ لكي ينهلَ منها أبناؤنا الطلاب في كافَّة أقاليم المملكة حاضرة وبادية، وبكافَّة فئاتهم الاجتماعية، وذلك وفق التوجيهات السَّامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه ورعاه ـ حيث أعلن جلالته منذ تَولِّيه مقاليد الحُكم أنَّ التعليم أولويَّة من أولويَّات الوطن، وحقٌّ لكافَّة أبناء الوطن، وعملت التوجيهات السَّامية بموازاة توفير الحقيبة المدرسية لطلبة المدارس الحكومية من أُسَر الفئات المستهدفة والعوز الاجتماعي و أصحاب الدخل المحدود، لِيعبِّرَ ذلك عن حرص جلالته على توفير حقِّ التعليم لكافَّة فئات المُجتمع.
لكن منذ استقلال المغرب عن فرنسا، لجأت البلاد إلى اعتماد برامج مختلفة للنهوض بقطاع التعليم في المملكة، لكن كل ذلك لم ينجح، وفق مختصين، في وقف “إخفاقات” المنظومة التعليمية في البلاد.
فقد استنتج خبراء قطاع التعليم أن المنظومة التعليمية ببلادنا تعرف وضعا مهترئا يثير الكثير من القلق والشك والخوف من المستقبل بسبب ما يسوده من الارتجالية في اتخاذ القرارات دون دراسة ممنهجة ترقى بقطاع التعليم.
و قد ذهب المختصون في هذا القطاع إلى أن المغرب يتوفر على أكثر من 15 ألف مؤسسة تعليمية في السلكين الابتدائي والثانوي، تضم 7 ملايين تلميذ وتلميذة في القطاع العمومي، ومليون تلميذ وتلميذة في القطاع الخصوصي، وهو ما يحتاج إلى ميزانية كبيرة تستهلك حوالي ربع ميزانية الدولة، فضلا عما تصرفه الأسر لتعليم أبنائها. وتبقى مشكلة تطوير قطاع التعليم بالمغرب لا يرقى بكلفته العالية المغيبة، وفي المقابل تعتبر كلفة الجهل أعلى، فالرفع من مستوى التعليم يعد مشكلة خيارات، وأنه بعد حوالي 74 أو 75 عاما من الاستقلال ما زلنا في طور التجريب، نجرب خيارات، نجرب مناهج، نجرب برامج ولم نصل إلى خلق تعليم له هوية وتعليم عصري حداثي مرتبط بسوق العمل، بحسب تعبير المختصين في هذا المجال الحيوي.
إن من أعظم التحديات التي تواجه التعليم في بلادنا هو الضعف البائن والجلي في صفوف المتمدرسين في جميع المستويات التعليمية، وقد أظهرت نتائج دراسة رسمية ضعفا كبيرا في مستوى استيعاب التلاميذ في المغرب على سبيل المثال لا الحصر دروس اللغات والرياضيات على الخصوص، ما يشكل تهديدا جديا لتطور منظومة التعليم في المملكة، وفق خبراء.
وكشفت الدراسة التي أعدّها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهو مؤسسة رسمية استشارية، أن 9 في المئة فقط من تلامذة المستوى الإعدادي في التعليم العمومي يستوعبون مجمل اللغتين والفرنسية والرياضيات، مقابل مستويات أفضل نسبيا لتلامذة التعليم الخصوصي.
ويرى الإعلامي الباحث، يوسف منصف، في حديثه لـ “الحرة” أن “إشكالية التعليم بالمغرب اليوم، تجد جذورها في التخطيط الاستعماري لقضية التعليم حيث كان متعدد المسالك، مثل مدارس الأوروبيين ومدارس أبناء الأعيان والمدارس التقنية، فيما أبناء الأهالي قد يتجهون نحو التعليم التقليدي أو ما يسمى اليوم بالتعليم الأصيل، المتمثل في مدارس التعليم العتيق.
ويضيف منصف “منذ الحماية لعب التعليم دورا مفصليا في التمايز الاجتماعي وإنتاج الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية بين مختلف فئات المجتمع المغربي إلى أن جاءت الحركة الوطنية ووضعت المسألة التعليمية في قلب نضالها ضد الاستعمار. منتجة مدارس حرة صارت فيما بعد خصوصية بمناهج غربية لسخرية القدر.
وكان البحث الرسمي العام الماضي، خلص إلى أن المدرسة العمومية “أصبحت آلة لإعادة إنتاج التفاوتات داخل المجتمع”، وإلى أن الإصلاحات المتتالية لهذا القطاع “لم يكن لها مفعول إيجابي”.
وعلى الرغم من خطط الإصلاح التي تبناها المغرب في العقدين الأخيرين، إلا أن التعليم العمومي لا يزال يعاني من مشاكل الاكتظاظ في قاعات التدريس، والهدر المدرسي، فضلا عن الأزمات المتكررة بين المدرسين والحكومة التي تسببت بإضرابات عدة خلال السنوات الأخيرة. فيما تلجأ الأسر الميسورة إلى المدارس الخصوصية أو البعثات الأجنبية.
ويقول الباحث منصف يوسف في حديثه لموقع “الحرة” إنه منذ “تسعينيات القرن الماضي، طفت مشاكل المدرسة العمومية أهمها مشكلة الجودة وتجاوز الاكتظاظ، الذي بات عائقا بيداغوجيا (علم التربية)، رغم كل الميزانيات التي التهمها ورش إصلاح قطاع التعليم بكل أسلاكه”.
وعليه يبقى رهان جودة المدرسة العمومية يتحقق ببطء، رغم ضعف الحكامة الإدارية للقطاع ورغم ما يلتهمه من ميزانيات إصلاح في قلب إصلاح آخر.
و قد اعتمد المغرب خلال السنوات الأخيرة سلسلة إصلاحات في قطاع التعليم، بينها تطوير البنى التحتية للمؤسسات التعليمية، ومراجعة المناهج الدراسية، وتوظيف أعداد أكبر من المدرسين، لكن كل هذه التدابير لا ترقى إلى الحد الأدنى للنهوض بقطاع التعليم وإصلاح المنظومة التعليمية.
كما حذرت تقارير رسمية مغربية في السنوات الأخيرة من ارتفاع البطالة وغياب أي آفاق مستقبلية لدى شرائح واسعة من المراهقين والشباب، الفئة الأكثر تضررا من الفوارق الاجتماعية في المملكة.
وبدأ المغرب في 2016 توظيف عشرات الآلاف من المدرسين بعقود مؤقتة. وخاضوا منذ عام 2019 إضرابات طويلة عن العمل وتظاهرات حاشدة، جرى أغلبها بدون حوادث، ليتقرر دمجهم في الأكاديميات الجهوية التابعة لوزارة التعليم بعقود دائمة. لكن كل هذه الإجراءات لم ترق إلى ما كانت تصبو إليه الشريحة التعليمية، مما زاد من حدة المقاطعة والاحتجاجات والإضرابات جعلت الضحية الأولى التي تكتوي بنار هذا الهدر المدرسي التلاميذ والطلب التابعين لقطاع التعليم الحكومي الرسمي.
وعليه فقد أثبتت الدراسات الإصلاحية لقطاع التعليم أن المطلوب هو”تحول عميق” في القطاع، من دونه “لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب” بحلول عام 2035، وفقا لإطار نموذج تنموي وضعته المملكة وتسعى من خلاله إلى زيادة معدلات النمو وتقليص الفوارق الاجتماعية الحادة.
وأخيرا وليس آخرا نتساءل عن سبب قصور مناهجنا التعليمية للتربية القيمية والأخلاقية في أنظمة التعليم؟ علينا أن نحدد المسؤول الأول عن هذا التقصير وسبب تقصيره!
حاليا، انتبه إلى هذا الجانب القائمون على أنظمة التعليم في البلدان المتطورة وبالأخص في مجال المناهج التربوية، واهتموا به كثيرا وفق ما يؤمنون به من قيم ومبادئ وأخلاق.
وبدأوا بمرحلة ما قبل الدراسة وهي مرحلة “الروض” أو ما يسمى بالتعليم الأساسي وصمموا له مناهج تزرع عند الطفل قيما وأخلاقا وسلوكيات تؤثر بشكل كبير في تشكيل شخصيته وعقليته وبنائه وكيانه كإنسان. فيتعلم الطفل منذ الصغر وقبل الدخول إلى المدرسة أهم القيم التي يؤمن بها المجتمع، ففي اليابان وفنلندا مثلا يبدؤون مع الطفل في الروض من كيف يأكل، وكيف ينام، وكيف يتكلم، وكيف يتعامل مع والديه وإخوانه وأسرته وزملائه والمجتمع، ثم كيف يلبس ثيابه، وكيف يربط حذاءه وكيف ينظف جسده وكيف ينظف أسنانه وكيف يخلع ثيابه وكيف يرتب خزانته ومكتبته وسريره، وكيف يجب أن يتصرف في أوقات الأزمات ووقوع الأخطار والكوارث، وماذا تعني سلوكيات التحرش وكيف يجب أن يتعامل معها إذا تعرض لهذا الأمر في صغره وما إلى ذلك، فيدخل الطفل إلى المدرسة وهو قد تعلم وتربى وتدرب على كثير من الأخلاقيات والسلوكيات والقيم التي سيحتاجها طوال حياته. وهذه القيم الأخلاقية موجودة في كتب التربية والتنشئة التعليمية التي ألفها علماؤنا استفاد من ذخائرها غيرها ولهثنا خلف مناهج تخريبية لا شرقية ولا غربية فكانت النتيجة ما نعيشه اليوم من ترد في قطاع التعليم.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email