أخبار

المواطنة في ظل الدولة الإجتماعية

Published

on

الوطنية بريس

غني عن البيان أن المواطنة هى علاقة الفرد بالوطن الذى ينتسب إليه، والتى تفرض حقوقا دستورية وواجبات منصوصا عليها بهدف تحقيق مقاصد مشتركة ومتبادلة، والمواطنة الإيجابية لا تقتصر على مجرد دراية المواطن بحقوقه وواجباته فقط، ولكن أيضًا على حرصه على ممارستها من خلال شخصية مستقلة قادرة على حسم الأمور لصالح هذا الوطن، ويؤدى التطبيق المجتمعى لمفهوم المواطنة فى كافة المؤسسات إلى تنمية مجموعة من القيم والمبادئ والممارسات التى تؤثر فى تكوين شخصية الفرد، والتى تنعكس فى سلوكه تجاه أقرانه وتجاه مؤسسات الدولة وكذلك تجاه وطنه.
تعددت الرؤية حول مفهوم المواطنة فمنهم من رأى أنها المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، ومنهم من رأى أنها خلق المواطن الصالح، وآخرون قالوا إن المواطنة هي رد يف للديمقراطية، و ما لا يختلف عليه اثنان أن المواطنة هي جملة من القيم المعيارية تمثل حق الإنسان في الحياة الآمنة الكريمة وفي العدالة والمساواة في الحقوق الاجتماعية لكل فرد في المجتمع، بصرف النظر عن جنسه أو دينه أو مذهبه، وكذا حقه في التعبير عن رأيه وانتخاب من يمثله على قمة السلطة السياسية في وطنه.
واختصارا ، فالمواطنة إطار يستوعب الجميع، فهو يحافظ على حقوق الأقلية والأكثرية في نطاق مفهوم المواطنة الجامعة، والمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الصبغات الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية أو الجنسية، فكل مواطن له جميع الحقوق وعليه جميع الواجبات، والمواطنة الحقيقية لا تتجاهل حقائق التركيبة الثقافية والاجتماعية والسياسية في الوطن ولا تحدث تغييرًا في نسب مكوناتها، ولا تمارس تزييفًا للواقع.
مقومات المواطنة:
هناك مجموعة من المقومات الأساسية والمشتركة للمواطنة بين بلد وآخر، منها
أولا : المساواة وتكافؤ الفرص، حيث يجب التساوي بين جميع أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات، وإتاحة جميع الفرص أمامهم باختلاف عقائدهم الدينية، ومعتقداتهم الفكريّة، وانتماءاتهم السياسيّة، حيث يُمكن تحقيق ذلك بوجود ضماناتٍ قانونيةٍ وقضاءٍ عادلٍ ونزيه يُنصف كلّ من تتعرّض حقوقه للانتهاك.
ثانيا: المشاركة في الحياة العامة، حيث ينبغي فتح المجال للمواطنين للمشاركة في جميع المجالات السياسيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة، بدءاً من حقّ الطفل في التربية والتعليم، مروراً بحرية الأشخاص الفكريّة، وحقّهم بالاستفادة من الخدمات العامّة، ومشاركتهم بالأنشطة الثقافية المختلفة، وانتهاءً بحقّهم في الإنخراط بحريةٍ في الأحزاب السّياسيّة، وتولّي المناصب العليا، والمشاركة في صنع القرار.
ثالثا : حق المواطنة، فهو لايتحقق بالقوانين وحدها ، لكن لابد أن ترتكز الممارسات أيضاً على المساواة الكاملة بين جميع المغاربة وعلى حكم القانون المطلق بينهم فحق المواطنة هو الرابط بين الدولة والمجتمع وغياب حق المواطنة يجعل من الدولة سلطة فوقية معزولة عن مجتمعها.
أهمية المواطنة
– تعدّ المواطنة فكرة اجتماعية وقانونية وسياسية ساهمت في تطور المجتمع الإنساني بشكل كبير بجانب الرقي بالدولة إلى المساواة والعدل والإنصاف، وإلى الديمقراطية والشفافية، وإلى الشراكة وضمان الحقوق والواجبات.
– تتطلب متانة النسيج الوطني التسليم بمفهوم المواطنة، مفهوم تتحقق فيه المساواة بين البشر، وينال فيه الفرد موقعه الاجتماعي ووظيفته عن طريق كفاءته وقدراته ونزاهته، فالواقع يؤكد أن ثمة علاقة في المضمون بين مفهومي المواطن والمواطنة.
– تضمن المساواة والعدل والإنصاف بين المواطنين أمام القانون وخدمات المؤسسات، وأمام الوظيفة العمومية والمناصب في الدولة، وأمام المشاركة في المسؤوليات على قدم المساواة، وأمام توزيع الثروات العامة، وكذلك أمام الواجبات من دفع الضرائب والخدمة العسكرية والمحافظة على الوطن والدفاع عنه.
– تعترف بالتنوع والتعدد العقدي والعرقي واللغوي والسياسي والثقافي والطائفي والاقتصادي والاجتماعي والاتجاه الأيديولوجيي.

وتتحقق المواطنة في ظل الدولة الإجتماعية بالمغرب من خلال مفاهيم عرف تطورا كبيرا نحدد بعض منها في :
أولا : يمكن تلخيصه في الدولة المتدخلة لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، وقد أولى المغرب أهمية بالغة لهذا الاختيار تماشيا مع التوجهات الملكية التي ما فتئ يؤكد عليها عاهل البلاد الملك محمد السادس نصره الله
ثانيا: وتماشيا مع مضامين دستور2011 الذي أكد في فصله الأول على البعد الاجتماعي للدولة المغربية، وفي فصله 31 على أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة بالعديد من الحقوق.
ولعل ” دور الدولة الاجتماعية” برز كواحد من الدروس الكبرى المستخلصة من جائحة كوفيد 19، حيث تمكن المغرب من تقديم تجربة رائدة في تدبير التعاطي مع وضع غير مسبوق، وهي تجربة لاقت إشادة واهتمام العديد من الهيئات الدولية، تجربة استطاعت تمكين كل فئات المجتمع، خصوصا تلك التي تعاني الهشاشة، من تدبير هذه الظروف الصحية الطارئة ومواجهة آثارها السلبية.
ويمكن اعتبار أن الدولة الاجتماعية هي فضاء لتلاقح الفكر والسياسة والإقتصاد باعتبارها مفهوما يسائل الجميع، يسائل الحكومات والدول والمجتمعات التي تملك من الإمكانيات ما يكفي للإجابة من خلال بنياتها المؤسساتية ومن نخب فكرية وسياسية ومن ميكانيزمات اتخاذ القرار ما يسهل إنتاج قرارات للحماية الاجتماعية في بعدها الشمولي،
وعلى الرغم من كل الإمكانيات التي تتوفر عليها الدول المتقدمة إلا أنها عانت من عدم التوازن بين العرض السياسي والحكومي وما ينتظره المواطن والمجتمع في المقابل، ما يجعلنا مطالبين ببذل المزيد من الجهود لتحقيق إصلاحات جوهرية على مستوى مدونة الشغل بحيث لا دولة اجتماعية بدون حماية اجتماعية إما بشكل كلي أو تضامني أو تكميلي،
و يتطلب الأمر وضيح اختياراتنا كدولة ومجتمع والحاجة لبناء فكري لتعميق النقاش وبلورة الحلول الكفيلة بالتأسيس لتفعيل الحماية الاجتماعية وفق ما يجب عليه أن تكون،
وهو ما يعكس الاختيارات الكبرى لطموحنا الجماعي في المضي قدما نحو وتيرة قوية للتنمية لا تعفي أحدًا والعمل على تحرير الطاقات وإدماج ودعم جميع فئات المجتمع، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والصحية في أفق تعزيز التنمية في مختلف أبعادها وتحقيق الرفاه وضمان الإقلاع الإقتصادي لمواجهة التحولات المتسارعة والمتداخلة وتداعياتها الإجتماعية والإقتصادية لاسيما في ظل سياق دولي مطبوع بأزمات حقيقية حالية ومستقبلية.
ونتفق مع رأي أستاذنا أستاذ العلوم السياسية والمفكر “عبد الله ساعف”، حين حدد مفهوم الحماية الاجتماعية عبر دوائر محددة وهي الصحة الشغل التعليم والسكن عبر سن مجموعة من السياسات الإستدراكية لمعالجة قضايا متأخرة بخصوص المرأة والطفل والشباب، باستدراك ما لم يتم التطرق إليه في مراحل سابقة التي حددت مجموعة من الإشكاليات عبر تخصيص أظرف أو ميزانيات فرعية موزعة في قطاعات معينة ومخصصة لقضايا معينة بقانون المالية والتي تعالج قضايا اجتماعية مختلفة.

إن مفهوم الكرامة الإنسانية حسب الأستاذ ساعف، جعلنا نكتشف إشكاليات جديدة فجأة أصبحت متواجدة في البرامج وفي الخطاب السياسي، حيث اعتبر أن الحماية الاجتماعية أحد العناصر المحددة لبلورة الدولة الاجتماعية المرتبطة بجدلية الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية المبنية على توجهين:
توجه مبني على إعادة التوزيع أي زيادة الأجور الضرائب المنح… وتوجه يرتبط بالتعويض عن الضرر، وأنه يجب أن تتجاوز مبدأي التوزيع والتعويض، لتتجاوز ذلك نحو تقويتها بأبعاد أخرى تتركز في تقليص الفوارق بشكل شمولي والتي يجب أن تتبلور بشكل أقوى في السياسات العمومية.

وتعد حكومة التناوب التوافقي بقيادة المجاهد الراحل عبد الرحمن اليوسفي في ظل توجيهات جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه من يعود لها الفضل في التأسيس للإطار الإجرائي للدولة الاجتماعية، كما يرى بأن الثقافة السياسية في المغرب لا تنفي المسؤولية تجاه المغاربة لكن دائما في إطار الرعاية، معتبرا أن نقطة التحول في هذا الاتجاه وعلى المستوى الشعبي هي حادثة أنفكو بالأطلس المتوسط، حيث أبانت عن أننا بحاجة إلى ثورة حقيقية بخصوص الحماية الاجتماعية.
ومعلوم أن النموذج التنموي الجديد الذي جاء للإجابة عن إخفاقات السياسات العمومية خاصة بعد تفشي فيروس كورونا الذي جعل المواطن في صلب إهتمام الدولة (الدولة الحاضنة) كما يتغياها صاحب الحجلالة نصره الله.
وإعادة بناء منسوب الثقة كمؤسسة لعلاقة المواطن بالدولة لأن غياب الثقة في التعامل بين الدولة والمجتمع له سومة جد مكلفة على مستوى تدبير الشأن العمومي، إذ لابد من مراجعة السياسة الضريبية وتحسين ظروف العمل لإعادة بناء حدود أخرى لعلاقة الدولة الاجتماعية بالمخيال الجمعي للمغاربة.

وينبغي التأكيد هنا على أن هناك إرادة سياسية حقيقية يجب أن تجد ترجمتها في السياسات العمومية، لأن ما أفرزته أزمة كوفيد هو أنه متى توفرت الإرادة الصريحة، نكسب ثقة المواطن ونضمن نجاعة في الأداء وانخراط الجميع بمسؤولية في إنجاح هذه الأوراش ضمن مشروع مجتمعي متكامل وهو المشروع التنموي الذي يجب أن تتوفر له كل الشروط على مستوى سياسة الدولة لكي يحقق الأهداف المتوخاة منه بشكل متدرج يمكن من رصد المؤشرات التي تبني هذه الثقة في الدينامية الجديدة.
تحصين مشروع الدولة الاجتماعية في نظرنا لابد أن يراعي، تقوية الطبقة المتوسطة كحاملة لهذا المشروع ولتوسيع قاعدة التنشيط الإقتصادي لهذه الفئة الحامية لمشروع الدولة الاجتماعية ما يستدعي كذلك، تحصين البناء الديموقراطي الذي يستوجب نخبا جديدة قادرة على الدفاع عن هذا المشروع وحاملة له، ومبلورة للاستشرافات الممكنة أمام التحديات التي تطرحها العولمة.

ولا شك أن الاختيار الديموقراطي كفيل بتعزيز هذا التوجه نحو ارساء ركائز الدولة الاجتماعية، وإعادة الاعتبار للفعل السياسي الناجع والمكتسب لثقة المواطنين خاصة أن العديد منهم لا يثق في مؤسسات الوطن من حكومة برلمان أحزاب نقابات… وهو توجه غير سليم لأن عدم الثقة وعدم انخراط المواطن سيجعل المشروع معطوبا، وغير قادر على التطور والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والصحية في أفق تعزيز التنمية في مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والمجالية.

الأستاذ الحسين بكار السباعي:
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأخبار الشائعة

Exit mobile version