الوطنية بريس حميد عسلاوي

 

الحمد لله الذي جمع ما بين الرزق والأمن من الخوف فقال: (( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ))، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمي، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فما من شك في أن الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة ظهرت في كافة المجتمعات، المتقدمة منها أو المتأخرة، فهي آفة اجتماعية خطيرة، ومفسدة عظيمة تؤدي إلـى فساد المجتمـع ، وتراجعـه وانحلاله من جميع المبادئ و القيم الإنسانية والأخلاقية، مما يجعل المجتمع عـاجزا عـن تحقيق أهدافه وغاياته في الأمن والاستقرار. والملاحظ أن الجريمة تطورت مع التطور الذي شهده العالم بفضل التكنولوجيا والعولمة، وبوجود إمكانيات مادية وعلمية وتكنولوجيا لدى مجموعة من الأشخاص المنحرفين أو العصابات الإجرامية.

وقد عرف الفقه الجريمة بأنها : ( كل فعل أو امتناع جرم المشرع اتيانه في نص من النصوص الجنائية ، وقرر له عقوبة أو تدبيرا وقائيا بسبب ما يحدثه من اضطراب اجتماعي ويكون هدا الفعل أو الامتناع صادرا عن شخص أهل للمساءلة الجنائية ). والمشرع المغربي يعرفها لنا انطلاقا من الفصل 110 من القانون الجنائي : (عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي معاقب عليه بمقتضاه ).

والأمن كما يعلم الجميع هو الجهاز الأول الذي يبقى على عاتقه مكافحة الجريمة وحماية الانسان من كل ما من شأنه المساس بجسده وروحه وممتلكاته، فهو نعمة عظيمة لا توازيها نعمة من نعم االله عز وجل التي منَّ بها على عباده المـؤمنين، ولا يمكن أن تتحقق الحياة البشرية المستقرة إلا بها فكل ضروريات الحياة وكمالياتها مرهونة بالأمن، وجميع النشاطات تتوقف على توفر الأمن للناس حتى يستطيعوا أن يؤدوا واجباتهم على أفضل وجه، ولذا قال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام : ((من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها )).

وبالتالي فالأمن جزء لا يتجزأ من المجتمع يؤدي وظيفة اجتماعية بالغة الأهمية، من خلال الحفاظ على النظام العام، ومحاربة الجريمة، وحماية المواطنين، وصون مكتسبات الوطن، وترسيخ مبدأ سيادة القانون. فهم رجال ونساء جعلهم الله حماية لنا في أرضه، يسهرون على خدمتنا، ويضحون بأرواحهم من أجلنا، رغم ضعف الإمكانيات وقلة الموارد البشرية. وهذا ما أكد عليه جلالة الملك نصره الله في خطاب من خطاباته: ( وإننا نقدر الظروف الصعبة، التي يعمل فيها نساء ورجال الأمن، بسبب قلة الإمكانات. فهم يعملون ليلا ونهارا، ويعيشون ضغوطا كبيرة، ويعرضون أنفسهم للخطر أثناء القيام بمهامهم ). انتهى كلام جلالته.

وعليه سوف أبرز في هذا المقال دور القوات الأمنية في استتباب الأمن عموما وخاصة بمدينة مكناس الإسماعيلية العامرة برجالاتها حفظهم الله.

 

عندما ننظر إلى أسباب الجريمة ودور الأمن في محاربتها نجد أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتداولون مجموعة من الأشرطة يظهر فيها بعض الشباب يقومون بأعمال غير قانونية تتنافى مع تقاليدنا وديننا الحنيف، تجلت هذه الأفعال في السرقة واعتراض سبيل المارة، الفساد والخيانة الزوجية ، حمل السلاح بدون مبرر قانوني، القتل … الخ، وحسب القائمين على الأمور الأمنية تظل أغلب الجرائم المرتكبة في مدينة مكناس “جرائم بسيطة”، التي ينتمي أغلب المتورطين فيها الى المناطق الهامشية و الأحياء الشعبية الفقيرة، وتتنوع أسباب هذه الجرائم التي تجعل المواطن يشعر بانعدام الأمن إلى القفزة الديمغرافية التي شهدتها بلادنا خلال العقود السالفة وما نتج عنها من تطور وتوسع عمراني، الشيء الذي انعكس سلبا على النظام العام وبخاصة الأمن، وأدى في آخر المطاف الى ظهور بعض الجرائم. ومن الأسباب التي أدت الى التوسع العمراني هو تنامي ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن، الذين يتوجهون نحو السكن بالأحياء الشعبية التي تفتقر غالبيتها للعيش الكريم، مما يؤدي ذلك الى انتشار الجريمة بشتى أنواعها. إلى جانب ذلك نجد الفقر الذي أكد من خلاله الفلاسفة وعلماء الاجتماع أنه يلعب دورا رئيسيا في دفع الفرد لممارسة الجريمة، و في هذا الاطار يقول سقراط (أن الفقر أبو الثورة و أبو الجريمة ). ولا ننسى واقع البطالة المرتفعة مع واقع الأمية المتفشية، ومساهمتهم في تفشي الجريمة. ومع ذلك فإن الأدوار التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لحماية المواطنين من كل ما من شأنه المساس بجسدهم وأرواحهم وممتلكاتهم كل ذلك يعتبر استجابة لرسائل جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه بمناسبة عيد العرش، التي دعا من خلالها رجال الشرطة إلى ” تبني الحزم والصرامة في التعامل مع المجرمين “، أعطى السيد المدير العام للأمن الوطني تعليماته لكافة المصالح الأمنية بالمملكة، للتعامل بحزم و صرامة مع ظاهرة الاجرام التي انتشرت في الأيام القليلة الأخيرة، وأصبحت تقلق راحة المواطن في جميع الأماكن، كما أكد على الالتزام و التقيد بالاحترام التام للقوانين الجاري بها العمل. هذا ما جعل المصالح الأمنية تسارع في العملية، من خلال حملات تطهيرية روتينية يومية وعلى مدار الساعة تشارك فيها عناصر الشرطة بمختلف تخصصاتها، بدأت هذه الحملات بوضع دوريات في الشارع العام خصوصا الأماكن التي يتواجد بها المواطن، كما تم وضع خطط من أجل مداهمة كل النقاط الساخنة التي يتواجد بها المجرمين. وقد أسفرت هذه الحملات التطهيرية، بتوقيف عدد من المشتبه فيهم الذين تم ضبطهم في حالة تلبس بارتكابهم أفعال إجرامية مختلفة منها حيازتهم للمخدرات بشتى أنواعها إضافة لأسلحة بيضاء، ومنهم من كانوا موضوع مذكرات بحث وطنية من أجل جرائم متعددة.

وبالتالي، فقد أبانت عناصر الأمن على مستوى مدينة مكناس أنها في خدمة المواطن وتسخر كل طاقاتها ومجهوداتها من أجل توفير الأمن للمواطنين، كما أنها نجحت في بسط سيطرتها على الوضع الأمني، وحتى إن حدث جريمة هزت الرأي العام، يتم فك لغزها في ظرف قياسي، وبالتالي فهي تقوم بعمل جد كبير في مكافحة الجريمة وحماية المواطنين رغم قلة العناصر الأمنية في مختلف تخصصاتها، هذه المجهودات التي تقوم به العناصر الأمنية لقيت استحسانا لدى المواطن المكناسي الذي أصبح يحس بالأمن والأمان.

 

 

ثم إنه يجب الإشارة إلى أن تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع لم يعد مهمة تقتصر على جهود الأجهزة الأمنية، وإنما هو مسؤولية جماعية تتضافر فيها كافة الجهود، ولهذا ينبغي على المواطنين والمجتمع المدني وكذاالأسرة والمدرسة والاعلام تحمل المسؤولية الأمنية والتعاون مع الأجهزة الأمنية فيما يحقق أمننا وسلامة مجتمعنا وبذل كل ما في وسعهم لحماية المواطنين وللحفاظ على مكتسباتنا الوطنية. ولا ننسى وسائل الإعلام بصفة عامة والإعلام الأمني بصفة خاصة في العمل على الحد من الجريمة والوقاية منها، فعليها أن تقوم بواجباتها في التنشئة الاجتماعية، ونشر الوعي الأمني بين الجماهير والعمل على التصدي لثقافة الجريمة في المجتمع، من خلال الرسالة الإعلامية التي تبثها الى الجمهور من برامج واعية ومتطورة .

وخلاصة هذا المقال يجب التوفر على موارد بشرية مؤهلة علميا وأخلاقيا وبدنيا ونزيهة وذات إلمام واسع بقضايا حقوق الانسان وبكل الجوانب القانونية والمهنية، التي يبقى هدفها الأساسي هو خدمة الوطن والمواطن، ويكون عملها خالصا وخاضعا لما يمليه عليهم القانون والضمير. كما يجب على الجهاز القضائي عدم التسامح مع هؤلاء المجرمين ومساعدة رجال الأمن والعمل جنبا لجنب من أجل معاقبة كل من خولت له نفسه المس بسلامة المواطنين. وتحفيز الشرطي بترقيات ومبالغ مالية استثنائية كلما قام بعمل جاد وبطولي، وتحفيزه بشواهد تقديرية، واستقباله من قبل المسؤولين الأمنيين وتقديم له الشكر.ثم حث المواطنين بالإبلاغ الفوري عن كل ما يتعرضون له من تهديدات وجرائم ، كما يجب عليهم مساعدة رجال الأمن في هذه المهمة وتقديم لهم يد المساعدة من أجل ايقاف كل خارج على القانون. كما لا ننسى أن المساءلة و الشفافية تشكلان ركائز جد هامة للنجاح و الفعالية والمردودية.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email