أخبار
عقود الشغل بالمدارس الخصوصية بين القانون و الممارسة
الوطنية بريس
تجد الإشارة أن التعليم الخصوصي يخضع للظهير الشريف رقم 1.00.202 الصادر في 15 من صفر 1421 الموافق ل 19 ماي 2000 بتنفيذ القانون رقم 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي.
و بقراءة متأنية للمواد هذا القانون ، خاصة المادة 9 ، سيظهر أن المشرع يطبق مقتضيات مدونة الشغل على جميع العاملين في التعليم المدرسي الخصوصي أساتذة وأستاذات و إدارة تربوية ، ذلك أن هذه المادة من القانون قم 06.00 و المعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم الخصوصي تقول : ” يخضع أصحاب مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي للإلتزامات المنصوص عليها في قانون الشغل إزاء جميع مستخدميهم مالم ينص على ما هو أنفع لهؤلاء في عقود عمل فردية أو إتفاقيات جماعية مبرمة بين أصحاب المؤسسات والمستخدمين أو ممثليهم .
و بتفحصنا لهذه المادة اليتيمة بخصوص العمل في المؤسسات الخاصة للتعليم ، يظهر بجلاء القصور التشريعي للمشرع المغربي الذي فتح الباب على مصراعيه لقوع هذه الفئة في الاستغلال والحرمان من أبسط حقوقها .
ذلك أنه كان على المشرع أن يتناول تفاصيل طبيعة العمل و فرض شروط تعاقد وجعلها من النظام العام لحماية حقوق العاملين في المدارس الخصوصية التي وجب أن تكون لزاما متساوية مع العاملين في القطاع العام .
ذلك أن الإقتصار فقط على الإحالة على مدونة الشغل التي تضم أحكام تتماشى مثلا فئة الأجراء ، كأجراء (القطاعين الفلاحي او الصناعي …) فإنها لا تتلاءم مع طبيعة بعض المهن الخاصة كمهنة التعليم ، والتي تتطلب تشريعا خاصا جامعا و مانعا للنهوض بقطاع التعليم و التنمية في البلاد .
و قد برزت تداعيات هذا القصور بشكل جلي في ظرفية جائحة كوفيد 19 التي أزاحت الستار على واقع شغيلة التعليم بالمؤسسات الخصوصية ، وظهر معها إنعدام أي حماية من طرف الوزارة الوصية على القطاع ،مع قصور حاد في تطبيق أحكام مدونة الشغل على هذه الفئة من الشغيلة التعليمية الخاضعة لاحكام مدونة الشغل كقانون إطار يحكم علاقتها الشغلية مع أرباب العمل المستثمرين في قطاع يكتسي حساسية معينة.
وتشمل مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي ، مقتضيات المادة 345 من مدونة الشغل التي تنص على أنه يحدد الاجر بحرية باتفاق الطرفين مباشرة أو بمقتضى اتفاقية شغل جماعية مع مراعاة الاحكام القانونية طبعا المتعلقة بالحد الأدنى للأجر ، لكن هذا المقتضى صراحة يخدم طرف المشغل باعتباره الطرف القوي في المعادلة بحيث يستغل موقفه و يفرض أجر عادة يكون زهيد وشرو(تخدم مصالحه ) مما يجعل وصفه معيبا شبيها بعقد اذعان ، بحيث يستغل حاجة الأطر و جهل أغلبيتهم بالقانون ، مقابل الاثراء على حسابهم.
غير أنه نرى من وجهة نظرنا المتواضعة ، أن المشرع كان عليه أن يحدو حدو النظام الذي يخضع له أساتذة التعليم العام بتحديد الأجر بمقتضى القانون سلفا وذلك حماية لمصالح هذه الأطر التربوية أو الإدارية ووفق السلم الاداري .
فضلا على أن واقع الممارسة العملية يظهر ان العديد من مؤسسات التعليم الخصوصي لا تحترم مقتضيات المادة 15 من مدونة الشغل والتي شجع فيها المشرع إلى إبرام العقد كتابة بين المشغل والأجير في نظيرين موقع عليهما من طرفهما ومصادق على صحة إمضائهما من قبل الجهة المختصة مع احتفاظ الأجير بأحد النظيرين، والذي يمكن الرجوع اليه اليه في مجال إثبات العلاقة الشغلية. غير أن أرباب العمل يعمدون على عدم إبرام عقد الشغل وبالتالي يصعب على الأجير اثبات وجود العلاقة الشغلية واستمراريتها اللهم عن طريق شهادة الشهود واللذين غالبا لا يمكنهم الالمام بجميع شروط الشغل ولا حتى الاجرة وكبيعة العمل ، وذلك بالمظر أن في مثل هذه الخالات فعبئ إثبات عقد الشغل واستمراريته واسباب انقضائه يقع على اثباتها على الأجير عملا بأحكام الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود و التي جاء فيها: “أن إثبات الالتزام على مدعية”، وفي هذا الصدد جاء في حكم عن المحكمة الابتدائية بأكادير عدد 809 بتاريخ 2021/09/23 في الملف 2018/1501/966 قولها :
” حيث إنه لما عقد الشغل يقتضي من الأخير القيام بالعمل الفائدة مشغله مقابل أجر عن ذلك بصفة دائمة و اعتيادية طبقا للمادة 6 من مدونة الشغل و الفصل 723 من ق ل ع ، فإن عنى اثبات وجود علاقة الشغل و استمراريتها تبعا لذلك يقع على عاتق الأخير، كذلك يعمل أرباب العمل للمؤسسات الخصوصية إلى تصوير أن العقد محدد المدة و مؤقت للتنصل من مسؤولية الطرد التعسفي.”
وفي نفس السياق ، ورد في الحكم الصادر عن ابتدائية الرباط في الملف رقم : 244 1981 منشور بكتاب محمد سعيد بناني الجزء الثاني من المجلد الأول ، حيث جاء فيه :”حيث صرحت المدعى عليها أنها تعاقدت مع المدعية وفق رسالة التشغيل الموقعة من الطرفين بتاريخ 26 أبريل 1975 لمدة محدد هي السنة الدراسية ويجدد كل سنة لنفس المدة مع إعطاء الحق للطرفين في تجديده أو عدم تجديده عن طريق الإتفاق عن ذلك خلال شهر أبريل أو ماي من كل سنة ، وحيث من الثابت أن الصفة القانونية للعقد تستمد تكييفها من الطبيعة الذاتية للعقد ، لأن التكييف المعطى لها من الطرفين ، و حيث أن العقد الغير محدد المدة هو الأصل و أن محاولة المشغل تغيير الطبيعة القانونية للعقد من عقد غير محدد المدة إلى عقد محدد المدة ما هو إلا وسيلة للتملص من الإلتزامات المترتبة عن العقد الغير محدد المدة…”
وفي هذا الصدد أقر القضاء المغربي قاعدة ، أن الأصل هو أن عقد الشغل غير محدد المدة وأن على الطرف الآخر إثبات أنه مؤقت ، وهي من حسنات العمل القضائي المغربي وذلك لحماية هذه الفئة من تحايل المشغلين و من أجل تجاوز الفراغ التشريعي و السكوت غير المبرر للمشرع المغربي.
الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان