الوطنية بريس حميد عسلاوي

لقد فتح الله عز وجل في هذا الشهر الكريم أبوابًا متعددة من الطاعات التي تتجلى من خلالها وحدة جسد الأمة الإسلامية، حيث شرع الله عز وجل من الطاعات والعبادات ما يعمق أسس التعاون والتكافل بين أبناء الأمة الإسلامية، وتسهم في تقوية الصلات والروابط بين مجموعاتها، وشهر رمضان هو شهر التضامن والتعاون والتكافل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان المبارك، فلم يرد رسولنا الكريم سائلًا قط، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالتصدق بشاة، فأخرجتها إلا كتفها، ولما عاد النبي سألها هل بقي منها شيئًا فقالت لم يبقى منها إلا كتفها، فقال صلى الله عليه وسلم بقيت كلها إلا كتفها، وذلك للتأكيد على حقيقة أن ما يبقى من الأموال والمتاع هو ما يتم التصدق به.

ووفقًا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عملت مؤسسة محمد الخامس للتضامن كلما حل شهر رمضان البريك على توسيع نطاق تغطية الأسر المستفيدة من الدعم الغذائي التي تعاني من الهشاشة الاجتماعية وذوي الاحتياجات الخاصة. وهذه المبادرة الملكية تدخل في إطار ما أمر به الشرع الحنيف حيث قال صلى الله عليه وسلم : (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة )).

لذا من سمات المجتمع القوي والمتماسك سمة التكافل الاجتماعي وهو ما يعني قيام المقتدرين مالياً بتقديم يد العون والمساعدة للضعفاء من الفقراء والأيتام والمرضى، حيث يوجد في كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية أناس يفتقدون القدرة على تلبية حاجاتهم المادية وربما المعنوية أيضاً. وفي التعاليم الإسلامية نجد الحث والتحريض على القيام بمساعدة ومعاونة ودعم الفقراء والأيتام والمحتاجين والمعوزين والمعوقين والمرضى. وقد حَثَّ ربنا سبحانه وتعالى على مساعدة الأيتام والمساكين والمحتاجين ، حيث يقول تعالى : {لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِن الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ } . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عز وجل ـ وأشار بالسبابة والوسطى )) . والتكافل الاجتماعي مهم جداً لأنه يقضي على الفقر والجهل و المرض؛ فمساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين وتلبية مستلزماتهم الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن يعد من الحاجات الأساسية التي يجب أن تكون من أولويات العمل التطوعي.

ومن توفيق الله تعالى للمؤمن في هذا الشهر الفضيل أن يتوفق لتخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين والأيتام والمساكين، وإن الاهتمام بالفقراء والمحتاجين في هذا الشهر الشريف، ومساعدتهم مادياً ومعنوياً، وتلبية بعض متطلباتهم، وتحقيق بعض حوائجهم، من أفضل الأعمال، وأنبل الصفات التي يجب القيام بها. ومتى ما تحقق التكافل الاجتماعي فإن المجتمع سينعم بالاستقرار والأمن الاجتماعي، وسيشعر الجميع بالسعادة، وستقوى أعمدة البنيان الاجتماعي العام.

ومجتمعنا كأي مجتمع آخر بحاجة مستمرة للعطاء الاجتماعي العام من كل أفراده، فكل واحد منا يستطيع أن يساهم بجزء من مسيرة التقدم والتطور الاجتماعي، والمجتمع بحاجة إلى أناس يعملون أكثر مما يتكلمون، ويبادرون أكثر مما ينتقدون، ويتسابقون في العطاء أكثر مما يتسابقون في الهروب من تحمل المسؤولية. وشهر رمضان منعطف مهم في حياتنا الاجتماعية نحو التغيير للأفضل، وتحمل أعباء المسؤولية الاجتماعية. فالمجتمع يعاني من مشاكل وأزمات قديمة وجديدة، والمهم هو التفكير في حلها بدل التذمر السلبي الذي لا يحل أي مشكلة، بل يعمقها، والمطلوب هو أن نحدث تغييراً حقيقياً في مسيرتنا الاجتماعية بتقديم كل فرد من أفراد المجتمع ما يستطيع من خدمات وطاقات ومواهب لتنصهر في النهاية في بوتقة المجتمع لننير الدرب كي ينمو المجتمع نمواً حقيقياً في مختلف المجالات.

والخلاصة: لنحول شهر رمضان المبارك إلى شهر تغيير في كل شيء، في حياتنا الخاصة، وفي مسيرتنا العامة، ولنعمق قيم التواصل والتكافل والعطاء الاجتماعي في كل زاوية من زوايا مجتمعنا، وفي كل بعد من أبعاده، وبأي شكل نستطيع، وبأي وسيلة نتمكن، فالمهم هو الإنجاز الاجتماعي، وإحداث التغيير نحو الأفضل من أجل بناء مجتمع متقدم ومتحضر.

 

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email