الوطنية بريس محمد الحمدوشي

يمكن اعتبار المغرب مملكة التصوف و موطن الأولياء وز الصلحاء ، فمنذ فجر الدولة المغربية و على امتداد قرون متعاقبة ساهم العديد من الشيوخ. و الأولياء في بناء هذه القوة الروحية العظمى .

فللمغرب و للمغاربة مكانة خاصة عند الأشقاء العرب و الإخوان و الأفارقة ، وعند أهل التصوف في مشارق الأرض و مغاربها بصفة عامة. نظرا للأعمال الرائدة و الرائعة و المجهودات الضخمة و الجبارة ، التي قام بها علماء المغرب و أوليائه الأجلاء الكرام و سلاطينه و ملوكه الأبطال العظام.

فانتشار المذهب المالكي و التصوف السني بدول غرب و شرق إفريقيا و دول جنوب الصحراء كان بمساهمة مغربية مباركة ، على يد العلماء العارفين و الصلحاء العاملين و السلاطين المجاهدين. فالمشيخة المغربية تعتبر رافدا أساسيا في تشكيل أسانيد التلقين الصوفي بهذه الأمصار .

و نظرا لكترة الأولياء و الصلحاء الذين أنجبتهم أرض المغرب الكريمة الطيبة قيل ” المغرب ينبت الأولياء كما تنبت الأرض الكلأ ” . فبأي حي و في اي مدينة بأي قرية او قبيلة هناك ضريح لولي أو بناية لزاوية ، و يخظيان بالتقدير و الإحترام . بل العديد من المراكز القروية و المدن أسسها شيوخ و اولياء فأولياء المغرب لم يكونوا زهاد معتكفين بل كانوا علماء عاملين. و اقترن التصوف عند المغاربة بالعمل الصالح ، و كان للصوفية المؤسسين حضور بارز و مشاركات إجتماعية متميزة ، قدموا أفكارا خلاقة و أبدعوا حلولا ناجعة لما عاصرهم من تحديات و مشاكل و أسهموا في مختلف مناحي الحياة و كان همهم إيصال النفع للأجيال .

لم يعد المغرب فقط بلد الأولياء بل أصبح مركزا يصدر الأولياء نذكر على سبيل المثال ، بمصر هناك ، شيوخ مشاهير و أولياء كبار أصلهم مغربي نذكر منهم أبو الحسن الشاذلي و المرسي أبو العباس و السيد البدوي و عبد الرحيم القناوي و بليبيا هناك الشيخ أحمد زروق….

كما كان للشيوخ و الأولياء و طلبة العلم رحلان متواصلة إلى الأندلس و شمال إفريقيا و دول جنوب الصحراء و المشرق العربي و كانت لبعض الزوايا المغربية فروع بهذه البلاد و كان بمصر كما كان بفلسطين “حي للمغاربة ” .

كذلك كانت فريضة الحج من اعظم البواعث على سفر آلاف المغاربة كل عام إلى الحجاز لأداء مناسك الحج ، وبعد زيارة الحرمين الشريفين كان الكثير منهم و خاصة الشيوخ و طلبة العلم ، يقصدون المقامات المباركة المسجد الأقصى بالقدس و قبر إبراهيم الخليل ثم يعرحون على دمشق و مدائن أخرى بالشام بل و يزورون بغداد و ما جاورها من حواضر . وعند عودتهم يقصدون مصر حيث الجامع الأزهر و الشيوخ و الأولياء و المقامات ثم ليبيا فتونس و الجزائر. و منهم من يطيل المقام بمكة أو المدينة و منهم من يختار الإستقرار بإحدى هاته الأقطار.

.و إلى يومنا هذا مازال للمغرب دور هام و بارز في ميدان التصوف ، فهناك العديد من الطرق و الزوايا الصوفية التي لها اتباع يتوزعون بمختلف بقاع العالم خاصة بإفريقيا و كذلك بامريكا و اوربا و آسيا ، نذكر منها الطريقة التيجانية والطريقة القادرية البودشيشية و الطريقة الحبيبية الدرقاوية و الطريقة الكركرية و الطريقة البصيرية و الطريقة العيساوية. مما يفد عليهم و خاصة في المواسم و الملتقيات الصوفية المحبين و المريدين من كل ارجاء المعمور.

وهناك كذلك العديد من الزوايا و الطرق النشيطة و العاملة ، كزاوية الشيخ ماء العينين و الطريقة العلوية و الطريقة الأمينية الغازية و الزاوية الريسونية

فهذا الإشعاع المحلي و الخارجي جعل من التصوف أحد مقومات تاريخ المغرب الروحي و الديني و الثقافي و الإجتماعي و الإقتصادي كذلك ، ولم تقتصر إثاره على المدن بل أدمجت البوادي في هذه الدينامية ، و أصبحت بعض المراكز القروية مراكز للعلم و التربية و الإشعاع كذلك .

إكثر من هذا فالتجربة الصوفية المغربية من بين أبرز العوامل التي ساهمت في انتشار الثقافة المغربية و إنتشار إشعاعها الروحي بالعديد من الأقطار وكذلك ساهمت في نسج و شائج المحبة و الإخاء بين المغاربة و شعوب العالم الإسلامي بصفة خاصة والمنتسبين إلى التصوف بكل أرجاء الدنيا.

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS
Follow by Email