أخبار
الدكتورة الطالبي رئيسة المعهد المغربي للسياسات التنموية : نعمل في المعهد على رفع الوعي المجتمعي وتقديم خدمات المشورة القانونية و التدريب والتأطير في مختلف المجالات.
ـ أجرى الحوار : عبدالعالي الطاهري.
هي واحدة من الكفاءات العلمية والجمعوية الشابة، التي طبعت ولا تزال مسارًا علميًا وجمعويًا وسياسيـًا فوق المتميز، على مرجعية الكفاءة والاستحقاق العلمي والتميز المهني. هي الدكتورة فتيحة الطالبي الأستاذة الجامعية، وزيرة التعليم في حكومة الشباب الموازية ورئيسة «المعهد المغربي للسياسات التنموية»، التي نطرح معها ومن خلال هذا الحوار الصحفي، تشريحاً دقيقًا وموضوعيًا لمختلف القضايا ذات الراهنية الكبرى على مستوى المملكة المغربية.
ـ في البداية، الدكتورة الطالبي، هلا قدَّمت لنا تصورًا شموليًا عن مرجعية وأهداف « المعهد المغربي للسياسات التنموية » ؟
- تماشيا مع المسلسل التنموي الذي تعرفه بلادنا منذ اعتلاء جلالة الملك العرش والأوراش و المبادرات التي أطلقها جلالته لتنمية المغرب اجتماعيا و اقتصاديا وسياسيا، و تزامنا مع إطلاق النموذج التنموي الجديد، جاءت الفكرة لتأسيس ”المعهد المغربي للسياسات التنموية” لمواكبة التنمية في بلادنا، خصوصا وأنه كان لي الشرف في إعداد و مناقشة أول أطروحة دكتوراه في المغرب حول النموذج التنموي الجديد، فكانت فرصة لاستثمار الخلاصات التي توصلت بها في أطروحتي المعنونة ب ‘تدبير المشاريع السياسية الكبرى بالمغرب –النموذج التنموي أنموذجا– , و المساهمة في تتبع و تقييم السياسات العمومية في بلادنا.
و ”المعهد المغربي للسياسات التنموية” هو مؤسسة علمية للدراسات والأبحاث تعمل على رفع الوعي، وتقديم الخدمات في مجال المشورة القانونية و التدريب والتأطير في مختلف المجالات، يهدف إلى تتبع وتنزيل وتنفيذ مخرجات النموذج التنموي الجديد، علاوةً على :
– تقديم دراسات و مقترحات لتنزيل مضامين النموذج التنموي جهويا.
– تقديم خطط عمل وبدائل لتجويد عمل السياسات التنموية.
– المساهمة في النقاش العمومي الوطني والدولي، حول قضايا وشؤون التنمية بمفهومها الشامل و بمختلف تفرعاتها السياسية و الثقافية و الاجتماعية و المناخية و الاقتصادية والدبلوماسية و الرياضية…
– رفع وتعزيز قدرات المجتمع المدني في مجال القضايا التنموية.
– تنظيم مؤتمرات وندوات ودورات تدريبية في التنمية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية والثقافية…
– التعريف بالتطور الكبير الذي شهدته المملكة المغربية في مجال التعامل مع الأوراش التنموية ذات الصبغة الاستراتيجية و مختلف القضايا الدولية الكبرى..
و بالمناسبة صدر في هذا الشهر كتاب جماعي للمعهد بشراكة مع حكومة الشباب الموازية معنون ب ”الشباب المغربي و قضايا الوطن‘’، بتنسيق مني و من الأستاذ ‘اسماعيل الحمراوي’ رئيس حكومة الشباب الموازية، هذا الكتاب الجماعي تضمن مجموعة من المقالات العلمية تهم مواضيع مهمة و آنية، كالنظام العالمي بعد جائحة كورونا و تأثير الجائحة على الاقتصاد المغربي و النموذج التنموي الجديد و غيرها من المواضيع التي كتبت من طرف مجموعة من الشباب في مختلف المجالات.
ـ من موقعك كرئيسة « للمعهد المغربي للسياسات التنموية »، كيف تقرئين حصيلة الحكومة حتى اليوم، خاصة على مستوي التوجهات الكبرى وكذا القرارات التي تمَّ اتخاذها حتى الساعة ؟
- بخصوص الحصيلة الحكومية إلى يومنا هذا، أقول دائما أن يجب تقييم حصيلة وعمل الحكومة بشكل فعال و دقيق قبل انتهاء ولايتها أو على الأقل مرور نصف ولايتها كي يتضح بشكل واقعي أثر قراراتها و عملها.
لكن يمكنني القول بشكل مختصر أن أول سنة تقريبا عرفت إصدار مجموعة من القرارات في مختلف المجالات، أهمها المصادقة على مشاريع القوانين المتعلقة بالحماية الاجتماعية و إطلاق مشاريع اقتصادية تخص الشباب كبرنامج فرصة وأوراش، هذا علاوة على القرارات المتعلقة بقطاع التعليم الأولي و الجامعي… و الأكيد أنَّ أغلب هذه القرارات الحكومية لم تجد لدى المواطن المغربي أثرها بشكل ملموس، بحيث تحتاج لتفعيها و ايصالها للمواطنين بشكل مباشر. الحصيلة في مجملها مُبشرة بالخير إذا ما تمَّ تسريع وتيرتها، لكن أهم ما يُعاب على الحكومة هو ضعف تواصلها مع المواطنين، و هذه النقطة بالضبط كانت تعاتب عليها الحكومة السابقة. وصراحةً كنَّا نأمل أن تنجح فيها الحكومة الحالية، لكن للأسف نلمس تواصل جد ضعيف من الحكومة مع المواطنين بدعوى أنها حكومة « عمل و ليس كلام »، و لم يسبق لنا أن رأينا حكومة في أي دولة و أقصد الدول المتقدمة، التي يسعى المغرب لمنافستها، لم يسبق لنا أن رأينا حكومة تعمل و لا تتواصل، بل نجد العمل متوازي مع التواصل و النقاش العمومي الذي ينعكس إيجابًا على الجميع.
و في ذات السايق، أتمنى من الحكومة أن تفتح نقاشا حقيقيا مع الشعب المغربي بمختلف توجهاته وشرائحه المجتمعية، لأنها حكومة الجميع و أن يتسع صدرها لتقبل الانتقادات البناءة و أن تستمع لنبض الشارع و تحترمه و تناقشه و تتفاعل معه،و أن تعلم أن الانتقاد لا يعني أن المواطن خصم بل فاعل محوري نقاشه وانتقاده و تتبعه و تحليله يجود العمل السياسي.
للأسف أي حكومة تخلق خصم وهمي لا وجود له و تقحمه في المعادلة بينها و بين المواطن، إذ هناك من تحدث عن التماسيح و العفاريت في مرحلة سابقة و هناك من يتحدث عن جهات خارجية… نحن جميعا نطمح لمغرب الغد المغرب النامي و المتقدم و المشرق الذي لا يمكننا الوصول إليه إلاَّ بتضامننا و اتحادنا وعملنا الجماعي و غيرتنا على هذا الوطن الحبيب.
ـ يجري الحديث، في العديد من المناسبات واللقاءات، عن دور المجتمع المدني في تنزيل العديد من المشاريع التنموية ذات الارتباط بمختلف القطاعات الحكومية.. تقييمك لدور المجتمع المدني في الحركية التنموية للمملكة ؟
- يلعب المجتمع المدني دورًا جوهريًا و مهمًا داخل المجتمعات، كونه يُكَمِّل العمل الحكومي الرسمي للدول، بحيث يكون أحيانا كثيرة همزة وصل بين الحكومات والمواطنين و يساهم في تكوين و تأطير المواطنين ليندمج الجميع في تنمية وتطور البلدان..
و في المغرب، و بناءا على الرغبة الملكية الكبيرة لتنمية المملكة المغربية وإعطاء المغاربة المكانة التي يستحقونها، أعطى جلالة الملك،بصفته رئيسًا للدولة دستوريًا، أعطى مكانة مهمة للمجتمع المدني وعيًا منه أنه يلعب دورا مهما في الحركية التنموية للمملكة، لهذا كانت له قيمة دستورية حسب الفصل 12 من الدستور، الذي يُلخص كل شيء عن منظمات المجتمع المدني، و أعطاه رعاية ملكية خاصة تتجلى في الرعاية الملكية السامية لعدد من الأنشطة الجادة و الفاعلة المُنظَّمة من طرف هيئات المجتمع المدني، كما يُمنح التكريم الملكي لعدد من الأسماء البارزة في منظمات المجتمع المدني.
و لتجويد و تحسين عمل المجتمع المدني، نطمح إلى إصلاح و تعديل الإطار القانوني الخاص بالجمعيات ليتماشى مع المستجدات الدولية و الوطنية بشكل يعود نفعًا على المسار التنموي في بعده الشمولي لمملكتنا المغربية.
ـ بصفتك وزيرة في حكومة الشباب الموازية، مكلفة بقطاع التعليم، ما هي قراءتك العلمية والتقنية لواقع قطاع التعليم بالمغرب، بجميع أسلاكه ؟ وهل يمكن الحديث عن وجود رؤية حكومية جادة في هذا الإطار ؟
- كوني دكتورة في القانون العام و أستاذة زائرة بعدة كليات للحقوق و وزيرة التعليم بحكومة الشباب الموازية و رئيسة مؤسسة ل ”المعهد المغربي للسياسات التنموية” و ئيسة و مؤسسة ل ”معهد الجنوب الدولي للتدريب و الدراسات الاستراتيجية‘’، أي أنني في علاقة مباشرة مع الطلبة بمختلف مستوياتهم الدراسية و مختلف الشُّعَب و التخصصات، أستطيع القول أنَّ قطاع التعليم بالمغرب يعرف مشاكل و أعطاب كثيرة. صحيح أنَّ هناك مجموعة من البرامج و المخططات التي أُطلقت لحل مشاكل التعليم لكنها للأسف لم ترقى إلى مستوى التطلعات، خاصة أنَّنا أمام قطاع حيوي ومهم، قطاع يشكل العمود الفقري لكل المجالات ذات الارتباط المباشر بالسياسات العمومية للمملكة. فليومنا هذا، نجد أنَّ عددا كبيرا من طلبة الدكتوراه يجدوا صعوبة كبيرة في إكمال بحوثهم لقلة الموارد المالية وضعف الدعم لبحوثهم العلمية و قلة التأطير، مما يدفع عدد من الأدمغة المغربية للهجرة، و كأننا نرسل هدية للخارج عبارة عن شخص مكون و مؤهل و طموح لتستفيد منه دولة أخرى في حين أنَّ المغرب يحتاج أبناءه لتنميته..
صحيح أنَّ هناك مجموعة من المجهودات الرسمية للرقي بقطاع التعليم، أذكر من بينها مضامين تقرير النموذج التنموي الجديد في الشق المتعلق بالتعليم، و القرار الذي اتخذه وزير التعليم الأولي و الرياضة، السيد شكيب بنموسى، الذي يسعى لتكوين فعال ذو جودة لأساتذة التعليم الأولي، وكذا القرارات التي اتخذها وزير التعليم العالي و الابتكار بخصوص تكوين الطلبة و تجويد البحث العلمي، وإعطاء اهتمام ملكي لتخصصات جديدة غير التخصصات والشُّعب التقليدية، و هي الشُّعب الجديدة المتمثلة في التكوين المهني الذي يهدف إلى إدماج سريع و مباشر في سوق الشغل، هذا الأخير الذي عرف تطورا كبيرا بشكل يتناسب مع المهن الجديدة التي تواكب التطورات الدولية. كما قد لمسنا النتائج الايجابية للتكوين المهني بحيث تمكَّن عدد كبير من المتخرجين في تخصصات صناعة السيارات وأجزاء الطائرات من ولوج سوق الشغل في مصانع و شركات عالمية مباشرة بعد إنهاء تكوينهم العلمي والتقني .
لكن، ورغم السالف ذكره، يجب العمل على تسريع وتيرة إصلاح هذا القطاع، الذي يعتبر الشريان الرئيسي للعملية التنموية، بحيث لا يمكننا الحديث عن تنمية و تقدم و ازدهار بدون تعليم و تكوين الرأسمال البشري من منطلق كونه العامل المباشر في كل برنامج تنموي.
ـ يخوض المغرب منذ سنة 2009 تحديًا كبيرًا واستراتيجيًا، وهو المتعلق بتحقيق سيادته الطاقية، خاصة مع احتلاله سنة 2020 للمركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر « المستقبل الأخضر »..تعليقك على ذلك ؟
- المغرب و لله الحمد منذ سنوات يخوض تحديات كبيرة واستراتيجية ليس فقط في مجال الطاقة و المناخ لتحقيق سيادته الطاقية بل في كل المجالات لتحقيق سيادته السياسية ة الاقتصادية و الدبلوماسية و الثقافية و الرياضية و أكيد الطاقية.
و بخصوص سؤالك المتعلق بالمجال الطاقي، فالمغرب حقَّق إنجازات كبيرة في هذا المجال بشكل ينافس كبريات الدول العظمى والمتقدمة، بحيث نجد أنه سنة 2020 احتل المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا في مؤشر ‘المستقبل الأخضر’ ونَظَّم مؤتمر « كوب 22 » بنجاح، كما افتتح محطات للطاقة الشمسية بعدة مدن أهمها و أكبرها محطة « نور » بمدينة ورزازات التي تُعَد من أكبر المحطات الطاقية بالعالم، مع اعتماد المملكة أيضا على الطاقة الريحية و الكهرومائية، وشيَّدَ في هذا الإطار محطات كبرى على مستوى القارة الإفريقية.
كما أعطى المغرب الانطلاقة للعديد من مشاريع صناعة السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة بصنع مغربي و على التراب المغربي وبيد عاملة و طاقات وكفاءلات مغربية، وهي كلها مجهودات نفتخر بها كمغاربة و نطمح لتحقيق نجاحات و نتائج أكبر ليكون المغرب هو البلد رقم 1 في مجال الطاقة عالميا إن شاء الله.
ـ بصفتك وزيرة في حكومة الشباب الموازية، وبتشخيص للمشهد السساسي والحزبي المغربي.. هل تعتقدين أنَّ الأحزاب المغربية في عمومها استطاعت التخلص من « عقدة » الزعامة التاريخية التي ضاعت معها فرص كثيرة للاستفادة من الطاقات الشابة، على مستوَيي التدبير التنظيمي الحزبي ومعها الحكومي ؟
- الأحزاب المغربية عرفت تطورًا ملحوظًا في نسبة إشراك الشباب في لوائح الانتخابات و تنظيمات و هياكل الأحزاب، لكن السؤال هو في نوعية هذا التشبيب و ليس كمه.
هناك العديد من الأسماء الشابة التي أعطيت لهم الفرصة داخل الأحزاب السياسية و في التجارب الحكومية عن جدارة و استحقاق و بناءا على كفاءتهم، لهذا نجدهم دائما متواجدين و مؤثرين في الساحة السياسية المغربية و نجدهم دائما يتسلقون سلم النجاح بخطوات ثابتة. لكن، وفي المقابل، نجد أنَّ هناك عدد من الأسماء الشابة في بعض الأحزاب وُضِعت فقط للتشبيب من أجل التشبيب وغير مبنية على منطق الكفاءة والاستحقاق، بل مختارة بناءا على منطق القرابة و المصاهرة و الولاء المالي، لهذا شهدنا ظهور بعض الأسماء في بعض الولايات النتخابية و بمجرد انتهائها تختفي تلك الأسماء و كأنها لم تكن و لم تستطع الاستمرار لغياب كفاءتها للأسف و لأنها وُضعت في مكان لا يناسبها. لهذا أتمنى أن تُعطى الفرصة للشباب، بناءا على كفاءتهم و خبراتهم و مؤهلاتهم مما سيساهم من تجويد الحياة السياسية في بلادنا، الشيء الذي سينعكس ايجابا على تنزيل فعال للسياسات العمومية و من تمَّ بناء و تنمية و تقدم هذه المملكة الشريفة المباركة التي ننتمي لها جميعا.
ـ الكلمة لك دكتورة الطالبي؟
- أشكرك الأستاذ عبد العالي الطاهري على اختيارك الدائم لمواضيع النقاش المهمة، التي تساهم في تجويد النقاش العمومي و أتمنى لمؤسستكم الإعلامية مزيدًا من التألق و النجاح.