أخبار وطنية
رسالة للمغاربة “لنتجنب الاستنتاجات الغبية من أزمة “كورونا”
بقلم: الدكتور جواد مبروكي
أخواتي، إخواني المغاربة، في هذه الأزمة الصحية العالمية ونحن في بدايتها وبعيدين كل البعد عن نهايتها حسب المصادر العلمية، نرى دجالين من جميع المشارب يصدرون استنتاجات واتهامات تستند على هذيان خالص من المعتقدات دون أي أساس تجريبي أو عقلاني. كما تلاحظون أن خبراء علم الفيروسات والأخصائيين في علوم السياسة والاقتصاد في حالة ذهول من حجم هذه الأزمة عاجزين على التنبؤ بأي شيء. وبعبارة أخرى فإن كل العلوم حذرة وتحاول إدارة الأزمة لكي تمر بأقل قدر من الضرر مؤكدة أنها لا تملك رؤية واضحة للمستقبل في الوقت الحاضر.
ولمساعدتكم لإدراك الخطر الإيديولوجي على حالتكم النفسية والفكرية والمجتمعية والمستقبلية سوف أشير أسفله إلى ثلاثة تيارات من الدجل الكوروني الخطير.
1- أتباع الديانات
بصوت عال أو منخفض يزعمون بعض أتباع الديانات أن الجائحة هي إرادة إلهية وأن هذا الفيروس قد بُعث لتعليم الإنسانية درسًا. كما قرأتم وسمعتم وشاهدتم ما يلي “انظروا، لقد جعل هذا الكائن المجهري الصغير جيوش الأرض العظيمة وأعظم العلماء واقفين على ركبتهم”. ويزعمون أيضاً أن جائحة كورونا غضب الهي لأن البشرية ابتعدت عن الطريق المستقيم. كما يزعم بعض أتباع بعض الديانات، هذا وعد الله يتحقق و بدأت وحدة العالم تتأسس وبدأ توزيع الثروة في الظهور والكل سوف يدخل في دين الله بالأفواج. وباختصار يعتقدون بعض أتباع الديانات من جميع المشارب أن هذه الأزمة الصحية العالمية هي إرادة إلهية.
الآن إخواني المغاربة، هل هؤلاء المتدينون لهم دليل تجريبي يسمح لهم تقديم هذه الاتهامات وهذه الاستنتاجات؟ هل تظنون أنهم دخلوا في ذهن الله لقراءة قراراته وانتقامه وغضبه؟ أي اتهام فظيع ضد الحي الأعلى الذي تعبدونه ليلا ونهارا وأغلبيتكم سوف تصوم قريبا حباً له؟ هل تظنون أنهم قرأوا حصريا هذه الأزمة الصحية في كتبكم المقدسة أنها تحدد بالضبط اسم الفيروس “كوفيد19” وتاريخ ظهوره وهجومه العالمي انطلاقا من الصين؟ مجرد معتقدات وديماغوجيا!
2- المدافعون عن الطبيعة
تلاحظون كذلك إخواني المغاربة أن أصدقاء البيئة يشيرون بحكم أن الإنسان سبب التلوث والتقلبات في الطبيعة في جميع أنحاء العالم وبلا هوادة، غضبت وصاحت الطبيعة فجأة “كفى كفى” وأرسلَت هذا الفيروس لوضع حد لصلابة وغباء الإنسان والانتقام منه.
ألا تلاحظون أن هذا التيار يعتمد فقط على المنطق الذاتي دون أي دليل علمي مادي وملموس من خلال التجارب العلمية؟ مجرد معتقدات وديماغوجيا!
3- السياسيون
لأي سبب من الأسباب يتهم كل تيار سياسي الآخرين بالمسؤولية عن هذه الأزمة الصحية ويتهم الحكومة بأنها لم تسمع في السابق برنامجه وخطابه ويتهمها بعدم الرد السريع.
كيف يمكن أن يكون هذا أو داك التيار على يقين من ذلك؟ هل اختبر بالفعل أطروحاته في الميدان بنتائج ملموسة؟ هل تمكن من السيطرة على تفشي جائحة بهذا الحجم في الماضي؟ وعلى أي دليل تجريبي يعتمد لتبرير أقواله؟ مجرد معتقدات وديماغوجيا!
أما بالنسبة لي وكمحلل نفسي، أقول لكم إخواني المغاربة علينا أن نبقى واقعيين وكل ما نعرفه في الوقت الحالي هو أننا في أزمة صحية عالمية غير مسبوقة والعدو لا نعرف عنه إلا القليل ولهذا يجب علينا جميعًا أن نتوحد معًا اليد في اليد لمواجهة هذه الأزمة الكارثية. ولكن بمجرد انتهاء الأزمة، مع العلم أن الأزمة تعني من الناحية الإتيمولوجية “التحول والانتقال من حالة إلى أخرى”، سوف نتمكن من التعلم واستنتاج دروس بدقة من هذه التجربة القاتمة من خلال الواقع الذي سوف نواجهه آنذاك والذي يبقى مجهولا حاليا ولا احد بقدرته تنبؤه علميا.
إخواني المغاربة، نحن في وقت التركيز على إدارة هذه الأزمة الحقيقية وكل الافتراضات والاستنتاجات غبية وتعوق الإدارة السليمة للأزمة.
أخواتي إخواني المغاربة نحن الآن أمام نزيف حاد وعلينا أن نركز على إيقافه أولا وقبل كل شيء بدلاً من الجدل والبحث عن الجاني ورفض أوامر السلطات الصحية والأمنية ولسنا في حاجة إلى الانفكاك والانقسام بسبب ديماغوجية الدجالين وترك المجال مفتوح للفيروس ليدمرنا جميعا.
**طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي